البروي

أبو منصور محمد بن محمد بن محمد بن سعد بن عبد الله البروي الفقيه الشافعي، أجد الأئمة المشار إليهم بالتقدم في الفقه والنظر وعلم الكلام والوعظ، وكان حلو العبارة ذا فصاحة وبراعة، تفقه على الفقيه محمد بن يحيى المذكور قبله، وكان من أكبر أصحابه، وصنف في الخلاف تعليقة جيدة، وهي مشهورة، وله جدل مليح مشهور سماه المقترح في المصطلح وأكثر اشتغال الفقهاء به، وقد شرحه الفقيه تقي الدين أبو الفتح مظفر بن عبد الله المصري المعروف بالمقترح شرحا مستوفى وعرف به، واشتهر باسمه لكونه كان يحفظه فلا يقال له إلا التقي المقترح.

ودخل البروي بغداد سنة سبع وستين وخمسمائة فصادف قبولا وافرا من العام والخاص، وتولى المدرسة البهائية قريبا من النظامية وكان يذكر بها كل يوم عدة دروس، ويحضر عنده الخلق الكثير، وله حلقة المناظرة بجامع القصر، ويحضر عنده المدرسون والأعيان، وكان يجلس للوعظ بالمدرسة النظامية، ومدرسها يومئذ أبو نصر أحمد بن عبد الله الشاشي، وكان يظهر عليه من الحركات ما يدل على رغبته في تدريس النظامية، وكان ينشد في أثناء مجلسه مشيرا إلى موضع التدريس أبيات المتنبي، وهي أوائل قصيد:

بكيت يا ربع حتى كدت أبكيكا

 

وجدت بي وبدمعي في مغانيكا

فعم صباحا لقد هيجت لي شجنا

 

وارد تحيتنا إنـا مـحـيوكـا

بأي حكم زمان صرت متخـذا

 

ريم الفلا بدلا من ريم أهليكـا

فكان الناس يفهمون منه ذلك، وكان أهلا له، ووعد به فأدركته المنية، وكانت ولادته يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة سنة سبع عشرة وخمسمائة بطوس، وتوفي يوم الخميس بين الصلاتين سادس عشر رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة ببغداد، وصلي عليه يوم الجمعة بجامع القصر الخليفة المستضيء بأمر الله ودفن في ذلك النهار في تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي بباب أبرز، رحمهما الله تعالى.

وذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أن أبا منصور البروي المذكور قدم دمشق في سنة خمس وستين وخمسمائة ونزل في رباط السميساطي، وقرئ عليه شيء من أماليه.

والبروي: بفتح الباء الموحدة والراء وبعدها واو، لا أعلم هذه النسبة إلى أي شيء هي، ولا ذكرها السمعاني، وغالب ظني أنها من نواحي طوس، والله أعلم.