محمد بن إسحاق

أبو بكر، وقيل أبو عبد الله، محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، وقيل يسار بن كوتان المطلبي بالولاء المديني صاحب المغازي والسير كان جده يسار مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف القرشي، سباه خالد بن الوليد من عين التمر، وكان محمد المذكور ثبتا في الحديث عند أكثر العلماء، وأما في المغازي والسير فلاتجهل إمامته فيها، قال ابن شهاب الزهري: من أراد المغازي فعليه بابن إسحاق وذكره البخاري في تاريخه؛ وروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: من اراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق. وقال سفيان بن عيينة: ما أدركت أحدا يتهم ابن إسحاق في حديثه. وقال شعبة بن الحجاج: محمد بن إسحاق أمير المؤمنين، يعنى في الحديث.

ويحكى عن الزهري أنه خرج إلى قرية فاتبعه طلاب الحديث فقال لهم: أين أنتم من الغلام الأحول أو قد خلفت فيكم الغلام الأحول، يعني ابن إسحاق. وذكر الساجي أن أصحاب الزهري كانوا يلجؤون إلى محمد بن إسحاق فيما شكوا فيه من حديث الزهري، ثقة منهم بحفظه؛ وحكي عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان أنهم وثقوا محمد بن إسحاق واحتجوا بحديثه،وإنما لم يخرج البخاري عنه وقد وثقه، وكذلك مسلم بن الحجاج لم يخرج عنه إلا حديثا واحدا في الرجم طعن مالك بن أنس فيه، وإنما طعن مالك فيه لأنه بلغه عنه أنه قال: هاتوا حديث مالك فأنا طبيب بعلله، فقال مالك: وما ابن إسحاق؟ إنما هو دجال من الدجاجلة، نحن أخرجناه من المدينة؛ يشير - والله أعلم - إلى أن الدجال لايدخل المدينة.

وكان محمد بن إسحاق قد أتى أبا جعفر المنصور وهو بالحيرة فكتب له المغازي فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب، وكان يروي عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وهي امرأة هشام بن عروة بن الزبير، فبلغ ذلك هشاما فأنكره وقال: أهو كان يدخل على امرأتي؟ وحكى الخطيب أبو بكر أحمد ابن علي بن ثابت في تاريخ بغداد أن محمد بن إسحاق رأى أنس بن مالك رضي الله عنه، وعليه عمامة سوداء والصبيان خلفه يشتدون ويقولون: هذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لايموت حتى يلقى الدجال.

وتوفي محمد بن إسحاق ببغداد سنة إحدى وخمسين ومائة، وقيل سنة خمسين، وقيل سنة اثنتين وخمسين، وقال خليفة بن خياط: سنة ثلاث وخمسين، وقيل أربع وأربعين والله أعلم، والأول أصح رحمه الله تعالى. ودفن في مقبرة الخيزران بالجانب الشرقي، وهي منسوبة إلى الخيزران أم هارون الشيد وأخيه الهادي، وإنما نسبت إليها لأنها مدفونة بها، وهذه المقبرة أقدم المقابر التي بالجانب الشرقي.

ومن كتبه أخذ عبد الملك بن هشام سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكره، وكذلك كل من تكلم في هذا الباب فعليه اعتماده وإليه إسناده.

والمطلبي: نسبة إلى المطلب بن عبد مناف المذكور أولا. وقد تقدم الكلام على عين التمر في ترجمة أبي العتاهية.