الحميدي

أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن حميد بن يصل، الأزدي الحميدي الأندلسي الميورقي الحافظ المشهور؛ أصله من قرطبة من ربض الرصافة، وهو من أهل جزيرة ميورقة، روى عن أبي محمد علي بمن حزام الظاهري - المقدم ذكره - واختص به، وأكثر من الأخذ عنه وشهر بصحبته، وعن أبي عمر يوسف بن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى-وعن غيرهما من الأئمة.

ورحل إلى المشرق سنة ثمان وأربعين فحج وسمع بمكة حرسها الله تعالى، وبإفريقية وبالأندلس ومصر والشام والعراق، واستوطن بغداد. وكان موصوفا بالنباهة والمعرفة والإتقان والدين والورع، وكانت له نغمة حسنة في قراءة الحديث. وذكره الأمير أبو نصر علي بن ماكولا صاحب كتاب الإكمال - المقدم ذكره - فقال: أخبرنا صديقنا أبو عبد الله الحميدي، وهو من اهل العلم والفضل والتيقظ، وقال: لم أر مثله في عفته ونزاهته وورعه وتشاغله بالعلم ولأبي عبد الله المذكور كتاب الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم وهو مشهور، وأخذه الناس عنه، وله أيضا تاريخ علماء الأندلس سماهجذوة المقتبس في مجلد واحد، وذكر في خطبته أنه كتبه من حفظه، وقد طلب ذلك منه ببغداد. وكان يقول: ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم التهم بها: كتاب العلل وأحسن كتاب وضع فيه الدار قطني، وكتاب المؤتلف والمختلف وأحسن كتاب وضع فيه كتاب الأمير أبي نصر ابن ماكولا، وكتابوفيات الشيوخ وليس فيه كتاب، وقد كنت أردت أن أجمع في ذلك كتابا فقال لي الأمير: رتبه عل حروف المعجم بعد أن رتبته على السنن، قال أبو بكر بن طرخان: فشغله عنه الصحيحان إلى أن مات.

وقال ابن طرخان المذكور: أنشدنا أبو عبد الله الحميدي المذكور لنفسه:

لقاء الناس ليس يفيد شـيئا          سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الـنـاس إلا              لأخذ العلم أو إصلاح حال

وكان قد أدرك بدمشق الخطيب ابا بكر الحافظ، وروى عنه وعن غيره، وروى الخطيب أيضا عنه. وكانت ولادته قبل العشرين وأربعمائة. وتوفي ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ببغداد.

وقال السمعاني في كتاب الأنساب في ترجمة الميورقي: إنه توفي في صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى، هكذا وجدته في المختصر الذي اختصره أبو الحسن علي بن الأثيرالجزري - المقدم ذكره - وكشفت عنه عدة نسخ فوجدته على هذه الصورة، لأني توهمت الغلط في نسختي، ولم أقدر على مرجعة الأصل الذي لابن السمعاني الذي هذا المختصر منه، لأنه لايوجد في هذه البلاد، وبقي في نفسي شيء من التفاوت بين التاريخين، فإنه كبير. ثم إني كشفت كتاب الذيل للسمعاني فوجدت فيه أن الحميدي المذكور توفي ليلة الثلاثاء السابع غشر من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، ودفن من الغد في مقبرة باب أبرز، بالقرب من قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وصلى عليه أبوبكر محمد بن أحمد بن الحسين الشاشي الفقيه في جامع القصر، ثم نقل بعد ذلك في صفر سنة إحدى وتسعين إلى مقبرة باب حرب، ودفن عند قبر بشر بن الحارث المعروف بالحاقي، رحمه الله تعالى.

فلما وقفت في الذيل على هذه الصورة علمت أن الغلط وقع من ابن الأثير في المختصر: إما لأن النسخة التي اختصرها كانت غلطا من الناسخ، فتتبع ابن الأثير ذلك الغلط ولم يكشفه من موضع آخر، أو لأنه عبر من سطر إلى سطر كما جرت عادة النساخ في بعض الأوقات، والله أعلم أي ذلك كان.

والحميدي بضم الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة، هذه النسبة إلى جده حميد المذكور، وأخبرني بعض أرباب التاريخ أنه رأى في بعض التواريخ أن نسبته إلى حميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهو ليس بصحيح، لأن أبا عبد الله المذكور أزدي النسب، وعبد الرحمن قرشي زهري، فكيف يجتمعان؟.

ويصل: بفتح الياء المثناة من تحتها وكسر الصاد المهملة وبعدها لام.

وقد تقدم الكلام على الأزدي، وكذلك على ميورقة في ترجمة أبي محمد عبد الجبار بن حمديس الصقلي الشاعر، وهي بفتح الميم وضم الياء المثناة من تحتها وسكون الواو وفتح الراء والقاف وبعدها هاء ساكنة، وهي جزيرة في البحر الغربي قريبة من بر الاندلس.