ابن شنبوذ المقرئ

أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرئ البغدادي؛ كان من مشاهير القراء وأعيانهم، وكان دينا، وفيه سلامة صدر وفيه حمق، وقيل إنه كان كثير اللحن قليل العلم، وتفرد بقراءات من الشواذ كان يقرأ بها في المحراب فأنكرت عليه، وبلغ ذلك الوزير أباعلي محمد بن مقلة الكاتب المشهور، وقيل له: إنه يغير حروفا من القرآن ويقرأ بخلاف ما أنزل، فاستحضره في أول شهر بيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، واعتقله في داره أياما، فلما كان يوم الأحد لسبع خلون من الشهر المذكور، استحضر الوزير المذكور القاضي أبا الحسين عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقرئ وجماعة من أهل القرآن، وأحضر ابن شنبوذ المذكور، ونوظر بحضرة الوزير، فأغلظ في الخطاب للوزير والقاضي وأبي بكر ابن مجاهد ونسبهم إلى قلة المعرفة وعيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر، واستصبى القاضي أبا الحسين المذكور، فأمر الوزير أبو علي بضربه، فأقيم وضرب سبع درر،فدعا وهو يضرب على الوزير ابن مقلة بأن يقطع الله يده ويشتت شمله، فكان الأمر كذلك - كما سيأتي في خبر ابن مقلة إن شاء الله تعالى - ثم أوقفوه على الحروف التي قيل إنه يقرأ بها، فأنكر ما كان شنيعا، وقال فيما سواه: إنه قرأ به قوم، فاستتابوه فتاب، وقال إنه قد رجع عما كان يقرؤه، وإنه لايقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها الناس.

فكتب عليه الوزير محضرا بما قاله، وأمره أن يكتب خطه في آخره، فكتب مايدل على توبته؛ ونسخه المحضر: سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ عما حكي عنه أنه يقرؤه، وهو "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله" فاعترف به، وعن"وتجعلون شكركم أنكم تكذبون" فاعترف به، وعن "تبت يدا أبي لهب وقد تب" فاعترف به، وعن "كالصوف المنفوش" فاعترف به، وعن "فاليوم ننجيك ببدنك" فاعترف به، "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا" فاعترف به، وعن "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لوكانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين" فاعترف به، وعن "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى" فاعترف به، وعن "فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما" فاعترف به، وعن"ولتكن منك فئة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم أولئك هم المفلحون" فاعترف به، وعن "إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" فاعترف به، وكتب الشهود الحاضرون شهاداتهم في المحضر حسبما سمعوه من لفظه.

وكتب ابن شنبوذ بخطه ما صورته: يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: مافي هذه الرقعة صحيح، وهوقولي واعتقادي، وأشهد الله عز وجل وسائر من حضر على نفسي بذلك؛ وكتب بخطه: فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره، فأمير المؤمنين في حل من دمي وسعة، وذلك يوم الأحد لسبع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة في مجلس الوزير أبي علي محمد بن علي بن مقلة أدام الله توفيقه.

وكلم أبو أيوب السمسار الوزير أبا علي في أمره وسأله في إطلاقه، وعرفه أنه إن صار إلى منزله قتله العامة، وسأله أن ينفذه في الليل سرا إلى المدائن ليقيم بها أياما، ثم يدخل إلى منزله ببغداد مستخفيا، ولايظهر بها أياما، فأجابه الوزير إلى ذلك، وأنقذه إلى المدائن؛ وتوفي يوم الاثنين لثلاث خلون من صفر سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ببغداد، وقيل إنه توفي في محبسه بدار السلطان، رحمه الله تعالى.
وتوفي أبو بكر ابن مجاهد المذكور يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة أربع وعشرين وثلثمائة، ودفن في تربة له بسوق العطش، وكان مولده سنة خمس وأربعين ومائتين، رحمه الله تعالى.

وشنبوذ:بفتح الشين المعجمة والنون وضم الباء الموحدة وسكون الواو وبعدها ذال معجمة.