الواقدي

أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني مولى بني هاشم، وقيل مولى بني سهم بن أسلم؛ كان إماما عالما له التصانيف في المغازي وغيرها، وله كتاب الردة ذكر فيه ارتداد العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاربة الصحابة رضي الله عنهم، لطليحة بن خويلد الأزدي والأسود العنسي ومسيلمة الكذاب، وما أقصر فيه.

سمع من أبي ذئب ومعمر بن راشد ومالك بن أنس والثوري وغيرهم. وروى عنه كاتبه محمد بن سعد - المذكور عقيبة إن شاء الله تعالى - وجماعة من الأعيان، وتولى القضاء بشرقي بغداد، وولاه المأمون القضاء بعسكر المهدي. وضعفوه في الحديث وتكلموا فيه.

وكان المأمون يكرم جانبه ويبالغ في رعايته، وكتب إليه مرة يشكو ضائقة لحقته وركبه بسببها دين، وعين مقداره في قصته، فوقع المأمون فيها بخطه: فيك خلتان سخاء وحياء، فالسخاء أطلق يديك بتبذي ماملكت، والحياء حملك أن ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرنا لك بضعف ما سألت، وإن كن قصرنا عن بلوغ حاجتك فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك، فإن خزائن الله مفتوحة ويده بالخير مبسوطة، وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال للزبير: يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله سبحانه للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثر كثر له، ومن قلل قلل عليه، قال الواقدي وكنت نسيت الحديث، فكانت مذكراته إياي أعجب إلي من صلته.

وروى عنه بشر الحافي - المقدم ذكره - رضي الله عنه، حكاية واحدة، وهي أنه سمعه يقول:ما يكتب للحمى، يؤخذ ثلاث ورقات زيتون تكتب يوم السبت وأنت على طهارة على واحدة منهاجهنم غرثيوعلى الأخرى جهنم عطشى وعلى الأخرى جهنم مقرورة ثم تجعل في خرقة وتشد على عضد المحموم الأيسر، قال الواقدي المذكور جربته فوجدته نافعا، هكذا نقل هذه الحكاية أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه الذي وضعه في أخبار بشر الحافي.

وروى المسعودي في كتابمروج الذهب أن الواقدي المذكور قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي، وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضائقة شديدة، وحضر العيد فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة،وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم، لأنهم يرون صبيان الجيران قد تزينوا في عيدهم وأصلحوا ثيابهم وهم على هذه الحال من الثياب الرثة، فلو احتلت في شيء تصرفه في كسوتهم، قال: فكتبت إلى صديق لي وهو الهاشمي أسأله التوسعة علي بما حضر، فوجه إلي كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف درهم، فما استقر قراري حتى كتب إلي الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي الهاشمي، فوجهت إليه الكيس بحاله، وخرجت إلى المسجد فأقمت فيه ليلتي مستحييا من امرأتي، فلما دخلت عليها استحسنت ما كان مني ولم تعنفني عليه، فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، فقال لي:اصدقني عما فعلته فيما وجهت به إليك، فعرفته الخبر على وجهه، فقال لي: إنك وجهت إلي وما أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك، وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة، فوجه كيسي بخاتمي، قال الواقدي: فتواسينا ألف درهم فيما بيننا، ثم إنا أخرجنا للمرأة مائة درهم قبل ذلك، ونمي الخبر إلى المأمون، فدعاني وسألني، فشرحت له الخبر،فامر لنا بسبعة آلاف دينار،لكل واحد منا ألفا دينار وللمرأة ألف دينار.

وقد ذكر الخطيب فيتاريخ بغداد هذه الحكاية وبينها وبين ماذكرناه ها هنا اختلاف يسير.

وكانت ولادة الواقدي في أول سنة ثلاثين ومائة. وتوفي عشية يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة سنة سبع ومائتين، وهو يومئذ قاض ببغداد في الجانب الغربي، كذا قاله ابن قتيبة. وقال السمعاني: كان قاضيا بالجانب الشرقي كما تقدم، والله أعلم. وصلى عليه محمد بن سماعة التميمي ودفن في مقابر الخيزران، وقيل مات سنة تسع، وقيل سنة ست ومائتين، والأول أصح، وقال الخطيب فيتاريخ بغداد في أول ترجمة الواقدي: إنه توفي في ذي القعدة، وقال في آخر الترجمة: إنه مات في ذي الحجة، والله أعلم، رحمه الله تعالى ورأيت بخطي في مسوداتي أن الواقدي مات وعمره ثماني وسبعون سنة.

والواقدي: بفتح الواو وبعد الألف قاف مكسورة ثم دال مهملة، هذه النسبة إلى واقد وهو جده المذكور.

وقد تقدم الكلام على المدني.

وعسكر المهدي هي المحلة المعروفة اليوم بالرصافة في الجانب الشرقي من بغداد، عمرها أبو جعفر المنصور لولده المهدي فنسب إليه، وهذا يؤيد أن الواقدي كان قاضي الجانب الشرقي لاالغربي، والله أعلم.