المسبحي

بالأمير المختار عز الملك محمد بن أبي القاسم عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عبد العزيز، المعروف بالمسبحي الكاتب، الحراني الأصل المصري المولد، صاحب التاريخ المشور وغيره من المصنفات؛ كانت فيه فضائل ولديه معارف، ورزق حظوة في التصانيف، وكان على زي الأجناد، واتصل بخدمة الحاكم بن العزيز العبيدي صاحب مصر ونال منه سعادة، وذكر في تاريخه أن أول تصرفه في خدمة الحاكم صاحب مصر كان في سنة ثمان وتسعين وثلثمائة، وذكر فيه أيضا: أنه تقلد القيس والبهنسا من أعمال الصعيد، ثم تولى ديوان الترتيب، وله مع الحاكم مجالس ومحاضرات حسبما يشهد بها تاريخه الكبير.

وجمع مقدار ثلاثين مصنفا، منها: التاريخ المذكور الذي قال في حقهالتاريخ الجليل قدره الذي يستغنى بمضمونه عن غيره من الكتب الواردة في معانيه، وهو أخبار مصر ومن حلها من الولاة والأمراء والأئمة والخلفاء،وما بها من العجائب والأبنية واختلاف أصناف الأطعمة، وذكر نيلها، وأحوال من حل بها إلى الوقت الذي كتبنا فيه تعليق هذه الترجمة، وأشعار الشعراء وأخبار المغنين وجالس القضاة والحكام والمعدلين والأدباء والمعتزلين وغيرهموهو ثلاثة عشر ألف ورقة. ومن تصانيفه كتاب التلويح والتصريح في معاني الشعر وغيره وهو ألف ورقة، وهو ألف ورقة، وكتاب الراح والارتياح ألف وخمسمائة ورقة، وكتاب الغرق والشرق في ذكر من مات غرقا غرقا وشرقا مائتا ورقة، وكتاب الطعام والإدام ألف ورقة، وكتاب درك البغية في وصف الأديان والعبادات ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة، وقصص الأنبياء عليهم السلام وأحوالهم ألف وخمسمائة ورقة، وكتاب المفاتحة والمناكحة في أصناف الجماع ألف ومائتا ورقة، وكتاب الأمثلة للدول المقبلة يتعلق بالنجوم والحساب خمسمائة ورقة، وكتاب القضايا الصائبة في معاني أحكام النجوم ثلاثة آلاف ورقة، وكتاب جونة الماشطة يتضمن غرائب الأخبار والأشعار والنوادر التي لم يتكرر مرورها على الأسماع، وهو مجموع مختلف غير مؤتلف، ألف وخمسمائة ورقة، وكتاب الشجن والسكن في أخبار أهل الهوى وما يلقاه أربابه ألفان وخمسمائة ورقة، وكتاب السؤال والجواب ثلثمائة ورقة، وكتاب السؤال والجواب ثلثمائة ورقة، وكتاب مختار الأغاني ومعانيها وغير ذلك من الكتب.

وله شعر حسن، فمن ذلك أبيات رثى بها أم ولده، وهي:

ألا في سبيل الله قلب تقطعـا

 

وفادحة لم تبق للعين مدمعـا

أصبرا وقد حل الثرى من أوده

 

فلله هم ما أشـد وأوجـعـا

فيا ليتني للموت قدمت قبلهـا

 

وإلا فليت الموت أذهبنا معـا

 

وكان المسبحي المذكور قد استزار أبا محمد عبيد الله بن أبي الجوع الأديب الوراق الكاتب المشهور، فزاره؛ فعمل المسبحي هذه الأبيات وأنشده إياها على البديهة:

حللت فأحلت قلبي السرورا

 

وكاد لفرحتـه أن يطـيرا

وأمطر علمك سحب السماء

 

ولولاك ما كان يوما مطيرا

تضوع نشرك لمـا وردت

 

وعاد الظلام ضياء منـيرا

 

وكان ابن أبي الجوع المذكور شاعرا أديبا حلوا مقبولا له أشعار كثيرة في المراسلات والمعاتبات والأهاجي، وكان نسخة في غاية الجودة، وكان ينسخ كل خمسين ورقة بدينار، وخطه موجود بأيدي الناس ومرغوب فيه، وكانت وفاة ابن أبي الجوع سنة خمس وتسعين وثلثمائة.


وكانت ولادة المسبحي المذكور يوم الأحد عاشر رجب سنة ست وستيم وثلثمائة، كذا ذكره في تاريخه الكبير. وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة عشرين وأربعمائة.


 وتوفي والده ضحوة نهار الاثنين تاسع شعبان سنة أربعمائة، وعمره ثلاث وتسعون سنة، وصلي عليه في جامع مصر ودفن في داره، رحمهم الله تعالى أجمعين. ولما توفي الوالد رثاه ولده المسبحي المذكور بهذه الأبيات:

خطب يقل له البكاء وينطـوي

 

عنه العزاء ويظهر المكـتـوم

خطب يميت من الصدور قلوبها

 

أسفـا ويقـعـد تـارة ويقـيم

يا دهر قد أنشبت في مخالـبـا

 

بالأسودين لوقعـهـن كـلـوم

يادهر قدألبستني حلـل الأسـى

 

مذحل شخص في التراب كريم

لو كنت تقبل فدية لفـديت مـن

 

رضت عظامي فيه وهو رميم

يا من يلوم إذا رآني جـازعـا

 

من طارق الحدثان، فيم تلـوم

بأبي فجعت فأي ثكل مـثـلـه

 

ثكل الأبوة في الشبـاب ألـيم

قد كنت أجزع أن يلم به الردى

 

أو يعتريه من الزمان همـوم

ورثاه جماعة من شعراء عصره ذكرهم ولده في تاريخه وذكر مراثيهم.

والمسبحي: بضم الميم وفتح الين المهملة وكسر الباء الموحدة وفي آخره حاء مهملة قال السمعاني في كتاب الأنساب: هذه النسبة إلى الجد، وعرف بها المسبحي صاحب تاريخ المغاربة ومصر، يعني الأمير المذكور.