أبو بكر الزبيدي

أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الله بن مذحج بن محمد بن عبد الله بن بشر الزبيدي الإشبيلي نزيل قرطبة؛ كان واحد عصره في علم النحو وحفظ اللغة، وكان أخبر أهل زمانه بالإعراب والمعاني والنوادر، إلى علم السير والأخبار، ولم يكن بالأندلس في فنه مثله في زمانه، وله كتب تدل على وفور علمه منها مختصر كتاب العين وكتابطبقات النحويين والغويين بالمشرق والأندلس من زمن أبي الأسود الدؤلي إلى زمن شيخه أبي عبد الله النحوي الرباحي، وله كتاب الردة على ابن مسرة وأهل مقالته سماههتك ستور الملحدين وكتابلحن العامة وكتاب الواضح في العربية وهو مفيد جدا، وكتاب الأبنية في النحو ليس لأحد مثله.

واختار الحكم المنتصر بالله صاحب الأندلس لتأديب ولده ولي عهده هشام المؤيد بالله، فكان الذي علمه الحساب والعربية ونفعه نفعا كثيرا، ونال أبو بكر الزبيدي منه دينا عريضة، وتولى قضاء إشبيلية وخطة الشرطة، وحصل نعمه ضخمة لبسها بنوه من بعده زمانا. وكان يستعظم أدب المؤيد بالله أيام صباه ويصف رجاحته وحجاه، ويزعم أنه لم يجالس قط من أبناء العظماء من أهل بيته وغيره في مثل سنة أذكى منه ولا أحضر يقظة وألطف حسا وأرزن حلما، وذكر عنه حكايات عجيبة.

وكان الزبيدي المذكور شاعرا كثير الشعر، فمن ذلك قوله في أبي مسلم ابن فهر:

أبا مسلم إن الفـتـى بـجـنـانـه

 

ومقولة لا بالمراكب والـلـبـس

وليس ثياب المرء تغنـي قـلامـه

 

إذا كان مقصورا على قصر النفس

وليس يفيد العلم والحلم والـحـجـا

 

أبا مسلم طول القعود على الكرسي

 

وكانفي صحبة الحكم المستنصر، وترك جاريته بإشبيلية فاشتاق إليها، فاستأذنه في العود إليها فلم يأذن له، فكتب إليها:

ويحك يا سلم لاتـراعـي

 

لابد للبـين مـن زمـاع

لاتحسبني صـبـرت إلا

 

كصبرميت على النـزاع

ماخلق الله مـن عـذاب

 

أشد من وقـفة الـوداع

ما بينها والحمـام فـرق

 

لولا المناجاة والنواعـي

إن يفترق شملنا وشـيكـا

 

من بعد ما كان ذا اجتماع

فكل شمل إلـى فـراق

 

وكل شعب إلى انصداع

وكل قرب إلـى بـعـاد

 

وكل وصل إلى انقطـاع

وكان كثيرا ما ينشد:  

الفقر في أوطاننا غـربة

 

والمال في الغربة أوطان

والأرض شيء كلها واحد

 

والناس إخوان وجـيران

وكان قد قيد الأدب واللغة على أبي علي البغدادي المعروف بالقالي - المقدم ذكره - لما دخل الأندلس، وسمع من قاسم بن أصبغ وسعيد بن فحلون وأحمدابن سعيد بن حزم. وأصله من جند حمص المدينة التي بالشام.

وتوفي يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وثلثمائة بإشبيلية، ودفن ذلك اليوم بعد صلاة الظهر، وصلى عليه ابنه أحمد، وعاش ثلاثا وستين سنة، رحمه الله تعالى.

ومذحج: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبعدها جيم، وهو في الأصل اسم أكمة حمراء باليمن، ولد عليها مالك بن أدد فسمي باسمها، ثم كثر ذلك في تسمية العرب حتى صاروا يسمون بها ويجعلون علما على المسمى، وقطعوا النظر عن تلك الأكمة.

والزبيدي: بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة، هذه النسبة إلى زبيد، واسمه منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج، وهو الذي سمي بالأكمة المذكورة، وزبيد قبيلة كبيرة باليمن خرج منها خلق كثير من الصحابة وغيرهم، رضي الله عنهم.