فخر الدين ابن تيمية الحراني

أبو عبد اله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله، المعروف بابن تيمية الحراني الملقب، فخر الدين الخطيب الواعظ الفقيه الحنبلي؛ كان فاضلا، تفرد في بلده بالعلم، وكان المشار إليه في الدين، لقي جماعة من العلماء وقدم بغداد وتفقه بها على أبي الفتح ابن المني، وسمع الحديث بها من شهدة بنت الإبري وابن المقرب وابن البطي وغيرهم، وصنف في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، مختصرا أحسن فيه،وله ديوان خطب مشهور وهو في غاية الجودة، وله تفسير القرآن الكريم، وله نظم حسن، وكانت إليه الخطابة بحران، ولأهله من بعده، ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال.

ومولده في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، بمدينة حران.

وتوفي بها في حادي عشر صفر، سنة إحدى وعشرين وستمائة، رحمه الله تعالى.

قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي في حقه: كان ضنينا بحران، متى نبغ فيها أحد لايزال وراءه حتى يخرجه منها ويبعده عنها، ومات في خامس صفر من السنة المذكورة، وهذا خلاف ما ذكرته أولا، قال:وسمعته في جامع حران يوم الجمعة بعد الصلاة ينشد:

أحبابنا قد نذرت مقلـتـي

 

لاتلتقي بالنوم أو نلتقـي

رفقا بقلب مغرم واعطفوا

 

على سقام الجسد المغرق

كم تمطلوني بليالي اللقـا

 

قد ذهب العمر ولم نلتق

 

ذكره أبو يوسف محاسن بن سلامة بن خليفة الحراني في تاريخ حران وأثنى عليه، ثم قال: توفي يوم الخميس بعدالعصر عاشر صفر سنة اثنتين وعشرين وستمائة.

 

وذكره أبو البركات ابن المستوفي فيتاريخ إربل فقال: ورد إربل حاجا في سنة أربع وستمائة، وذكر فضله، وقال: كان يدرس التفسير في كل يوم، وهو حسن القصص حلو الكلام مليح الشمائل، وله القبول التام عند الخاص والعام، وكان أبوه أحد الأبدال والزهاد، وتفقه بحران وببغداد، وكان حاذقا في المناظرات صنف مختصرات في الفقه، وخطبا سلك فيها مسلك ابن نباتة، وكان بارعا في تفسير القرآن وجميع العلوم له فيها يد بيضاء، وسمع من مشايخ الحديث ببغداد وأنشد له:

سلام عليكم مضى مامضـى

 

فراقي لكم لم يكن عن رضا

سلوا الليل عني مذ غـبـتـم

 

أجفني بالنوم هل أغمـضـا

أأحباب قلبـي وحـق الـذي

 

بمرالفراق علينـا قـضـى

لئن عاد عيد اجتماعي بـكـم

 

وعوفيت من كارث أمرضا

لألـتـقـين مـطـاياكــم

 

بخدي وأفرشه في الفضـا

ولو كان حبوا على جبهتـي

 

ولو لفح الوجه جمر الغضى

فأحيا وأنشد من فـرحـتـي

 

سلام عليكم مضى ما مضى

ثم قال: سألته عن اسم تيمية ما معناه، فقال: حج أبي أو جدي، انا أشك أيهما، قال: وكانت امرأته حاملا، فلما كان بتيماء رأى جويرية قد خرجت من خباء، فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد وضعت جارية، فلما رفعوها إليه قال: ياتيمية، ياتيمية، يعني أنها تشبه التي رآها بتيماء، فسمي بها، أو كلاما هذا معناه.

وتيماء: بفتح التاء المثناة من فوقها وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الميم وبعدها همزة ممدودة، وهي بليدة في بادية تبوك إذا خرج الإنسان من خيبر إلها تكون على منتصف طريق الشام، وتيمية منسوبة إلى هذه البليدة، وكان ينبغي أن تكون تيماوية، لأن النسبة إلى تيماء تيماوي، لكنه هكذا قال واشتهر كما قال.