المسعودي شارح المقامات

أبو سعيد - ويقال أبو عبد الله - محمد بن أبي السعادات عبد الرحمن بن محمد بن مسعود بن أحمد بن الحسين بن محمد المسعودي، الملقب تاج الدين، الخراساني المروروذي البندهي الفقيه الشافعي الصوفي؛ ان أديبا فاضلا اعتنى بالمقامات الحريرية فشرحها وأطال شرحها، واستوعب فيه مالم يستوعبه غيره، رأيته في خمس مجلدات كبار لم يبلغ أحد من شراح هذا الكتاب إلى هذا القدر ولا إلى نصفه، وهو مشهور كثير الوجود بأيدي الناس، وكان مقيما بدمشق في الخانقاه السميساطية، والناس يأخذون عنه بعد أن كان يعلم الملك الأفضل أبا الحسن علي ابن السلطان صلاح الدين - وقد تقدم ذكره -وحصل بطريقه كتبا كثيرة نفيسة غريبة، وبها استعان على شرح المقامات.

وحكى أبو البركات الهاشمي الحلبي قال: لما دخل السلطان صلاح الدين إلى حلب في سنة تسع وسبعين وخمسمائة نزل المسعودي المذكور إلى جامع حلب وقعد في خزانة كتبها الوقف واختار منها أخذها لم يمنعه منها مانع، ولقد رأيته وهو يحشوها في عدل، ولقيت جماعة من أصحابه وسمعت منهم وأجازوني.

ورأيت في تاريخ بعض المتأخرين أن البندهي المذكور كانت ولادته سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. ونقل بعض الأفاضل من خط البندهي ما صورته: ولدت وقت المغرب من ليلة الثلاثاء غرة شهر ربيع الآخر سنة اثنين وعشرين وخمسمائة، واظاهر أن هذا أصح، لكونه منقولا من خطه باليوم والشهر.

وتوفي في ليلة السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول، وقيل في مستهل شهر ربيع الاخر سنة أربع وثمانين وخمسمائة بمدينة دمشق، ودفن بسفح جبل قاسيون، رحمه الله تعالى، ووقف كتبه على الخانقاه المذكورة،وكان كثرا ما ينشد:

قالت عهدتك تبـكـي

 

دما حذار التـنـائي

فلم تعوضت عنـهـا

 

بعد الدماء بـمـاء؟

فقلت ما ذاك مـنـي

 

لسـلـوة أو عـزاء

لكن دموعي شابـت

 

من طول عمر بكائي

ومثله قول الإخر:

قالت سعاد أتبـكـي

 

بالدمع بعد الـدمـاء

فقلت قد شاب دمعي

 

من طول عمر بكائي

 

ونسبته بالمسعودي إلى جده مسعود المذكور.


وقد تقدم الكلام على المروروذي فلا حاجة إلى إعادته.


والبندهي: بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها هاء، هذه النسبة إلى بنج دية من أعمال مرووذ، ومعناه بالعربي خمس قرى،ويقال في النسبة أيضا إليها: الفنجديهي والبنديهي، بالفاء والجيم أو بالباء الموحدة والجيم، وخرج منها خلق كثير من العلماء وغيرهم.


 وقاسيون: بفتح القاف وبعد الألف سين مهملة مكسورة وياء مثناة من تحتها مضمومة ثم واو ساكنة وبعدها نون، وهو جبل مطل على دمشق من جهتها الشمالية فيه المنازل المليحة والمدارس والربط والبساتين، وفيه نهر يزيد، ونهر ثورى في ذيله، وفيه جامع كبير بناه مظفر الدين بن زين الدين صاحب إربل - المقدم ذكره في حرف الكاف - رحمه الله تعالى، وفيه يقول ابن عنين - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - في قصيدته اللامية التي مدح بها سيف الإسلام ابن أيوب صاحب اليمن - المذكور في حرف الطاء -فإنه تشوق إلى دمشق فيها، وذكر مواضع من مستنزهاتها، وقال في الجبل المذكور:

 

وفي كبدي من قاسيون حزازة

 

تزول رواسيه وليس تـزول

وهي من غر ولقد أبدع فيها، رحمه الله