السلامي الشاعر

أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن خليس بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله ابن الحارث بن عبد الله بن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، المخزومي السلامي الشاعر المشهور؛ هو من ولد الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، أخي خالد بن الوليد، رضي الله عنه.

قال الثعالبي في حقه هو من أشعر أهل العراق قولا بالإطلاق، وشهادة بالاستحقاق، وعلى ما أجريته من ذكره، شاهد عدل من شعره، والذي كتبت من محاسنه نزه العيون، ورقى القلوب، ومنى النفوس. ومن خبره أنه قال الشعر وهو ابن عشر سنين، وأول شيء قال في المكتب:

بدائع الحسن فيه مفتـرفة

 

وأعين الناس فيه متفقـه

سهام ألحاظـه مـفـوقة

 

فكل من رام لحظه رشقه

قد كتب الحسن فوق وجنتيه

 

هذا مليح وحق من خلقـه

 

وركب في صباه سمارية في دجلة، ولم يكن رأى دجلة قبل ذلك فقال:

وميدان تـجـول بـه خـيول

 

تقود الدارعـين ولا تـقـاد

ركبت به إلى اللذات طرفـا

 

له جسم ولـيس لـه فـؤاد

جرى فظننت أن الأرض وجه

 

ودجلة ناظر، وهو الـسـواد

 

ونشأ ببغداد وخرج منها إلى الموصل وهو صبي يوم ذاك، فوجد بها جماعة من مشايخ الشعراء، منهم أبو عثمان الخالدي أحد الخالدين، وأبو الفرج الببغاء - المقدم ذكره-وأبو الحسن التلعفري، وغيرهم، فلما رأوه عجبوا منه لبراعته مع حداثة سنه، فاتهموه بان الشعر ليس له، فقال الخالدي: أنا أكفيكم أمره، واتخذ دعوة جمع فيها الشعراء وأحضر السلامي المذكور معهم، فلما تواسطوا الشراب أخذوا في التفتيش عن بضاعته، فلم يلبثوا أن جاء مطر شديد وبرد ستر وجه الأرض، فألقى الخالدي نارنجا كان بين أيديهم على ذلك البرد، وقال ياأصحابنا، هل لكم أن نصف هذا؟ فقال السلامي ارتجالا:

للـه در الـخـالـــدي

 

الأوحد الندب الخـطـير

أهدى لماء المـزن عـن

 

د جموده نار الـسـعـير

حتى إذا صـدر الـعـتـا

 

ب إليه عن حر الصـدور

بعـثـت إلـيه هـــدية

 

عن خاطري أيدي السرور

لا تـعـذلـوه فـإنـــه

 

أهدى الخدود إلى الثغـور

 

 فلما رأوا ذلك منه أمسكوا عنه. وكانوا يصفونه بالفضل ويعترفون له بالإجادة والحذق، إلا التلعفري فإنه أقام على قوله الأول حتى قال السلامي فيه:

سما التلعفري إلى وصـالـي

 

ونفس الكلب تكبر عن وصاله

ينافي خلقه خلقـي وتـأبـى

 

فعالي أن تضاف إلى فعالـه

فصنعتي النفيسة في لسـانـي

 

وصنعته الخسيسة في قذالـه

فإن؟أشعر فما هو من رجالي

 

وإن يصفع فما أنا من رجاله

 

وله فيه أهاج كثيرة.


ودخل السلامي يوما على أبي تغلب، وأظنه الحمداني، وبين يديه درع فقال: صفها لي، فارتجل:

يارب سابغة حبتـنـي نـعـمة

 

كافأتها بالسوء غـير مـفـنـد

أضحت تصون عن المنايا مهجتي

 

وظللت أبذالها لكـل مـهـنـد

 

وهذا المعنى مأخوذ من قول عبد الله بن المعتز في الخمرة المطبوخة، وقد سبق ذكر ذلك في ترجمته وهو:

وقتني من نار الجحيم بنفسها

 

وذلك من إحسانها ليس يجحد

 

وقصد السلامي حضرة الصاحب ابن عباد وهو بأصبهان، فأنشده قصيدته البائية التي من جملتها:

تبسطنا على الآثـام لـمـا

 

رأينا العفو من ثمر الذنوب

 

وهذا البيت من محاسنه، وفيه إشارة إلى قول أبي نواس الحسن بن هانئ من جملة أبيات في الزهد - وقد تقدم ذكرها في ترجمته - وهو قوله:

تعض ندامة كفـيك مـمـا

 

تركت مخافة النار السرورا

 

وفيه إلمام أيضا بقول المأمون:لو علم أرباب الجرائم تلذذي بالعفو لتقربوا إلي بالذنوب.


ولم يزل السلامي عند الصاحب بين خير مستفيض، وجاه عريض، ونعم بيض، لإلى أن آثر قصد حضرة الصاحب عضد الدولة بن بويه بشيراز، فحمله الصاحب إليها وزوده كتابا بخطه إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف الكاتب،وكان أحد البلغاء، وممن يجري عند عضد الدولة مجرى الوزراء، ونسخة الكتاب: قد علم مولاي أن باعة الشعر أكثر من عدد الشعر، ومن يوثق أن حليته التي يهديها من صوغ طبعه، وحلله التي يؤديها من نسخ فكره، أقل من ذلك، وممن خبرته بالامتحان فحمدته، وفررته بالاختبار فاخترته، أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامي، وله بديهة قوية، توفي على الروية، ومذهب في الإجادة يهش السمع لوعيه، كما يرتاح الطرف لرعيه، وقد امتطى أمله، وخير له إلى الحضرة الجليلة رجاء أن يحصل في سواد أمثاله، ويظهر معهم بياض حاله، فجهزت منه أمير الشعر في موكبه، وحليت فرس البلاغة بمركبه، وكتابي هذا رائده إلى القطر، بل مشرعة إلى البحر، لإن رأى مولاي أن يراعي كلامي في بابه، ويجعل ذلك من ذرائع غيجابه، فعل إن شاء الله تعالى.


فلما ورد عليه تكفل به أبو القاسم وأفضل عليه وأوصله إلى عضد الدولة، حتى أنشده قصيدته التي منها.

إليك طوى عرض البسيطة جاعـل

 

قصارى المطايا أن يلوح لها القصر

فكنت وعزمي في الظلام وصارمي

 

ثلاثة أشباه كما اجتمـع الـنـسـر

وبشرت آمالي بملـك هـو الـورى

 

ودار هي الدنيا، ويوم هو الـدهـر

 

وقد تقدم ذلك في ترجمة عضد الدولة في حرف الفاء فليطلب هناك-.


وقد أخذ القاضي أبو بكر أحمد الأرجاني - المقدم ذكره - معنى البيت الأخير وسبكه في قوله:

يا سائلي عنه لما ظلـت أمـدحـه

 

هذا هو الرجل العاري من العـار

لو زرته لرأيت الناس فـي رجـل

 

والدهر في ساعة والأرض في دار

 

وهذا البيت وإن كان في معنى ذلك البيت لكن ليس فيه رشاقته ولا عليه طلاوته؛وقد استعمل المتنبي أيضا هذا المعنى المذكور لكنه لم يكمله فأتى ببعضه في النصف الأخير من هذا البيت وهو قوله:

هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى

 

ومنزلك الدنـيا وانـت الـخـلائق

رجعنا إلى خبرالسلامي مع عضد الدولة: فاشتمل عليه بجناح القبول، ودفع إليه مفتاح المأمول،واختص بخدمته في مقامه وظعنه، وتوفر من صلاته حظه، وكان عضد الدولة يقول: إذا رأيت السلامي في مجلس ظننت أعطارد قد نزل من الفلك إلي ووقف بين يدي. ولما توفي عضد الدولة - في التاريخ المذكور في ترجمته - تراجع طبع السلامي ورقت حاله، ثم مازالت تتماسك مرة وتتداعى أخرى حتى مات.

وله في عضد الدولة كل قصيدة بديعة، فمن ذلك قوله ذلك قوله من جملة قصيد:  

نبهـت نـدمـانـي وقـد

 

عبرت بنا الشعرى العبور

والبدر في أفق الـسـمـا

 

ء كروضة فيهـا غـدير

هبوا إلى شـرب الـمـدا

 

م فإنما الـدنـيا غـرور

هبوا فقد عـيي الـرقـي

 

ب فنام وانتبه الـسـرور

وأشار إبـلـيس فـقـل

 

نا كلنا:نعـم الـمـشـير

صرعى بمعركة تـعـف

 

الوحش عنا والنـسـور

نوار روضـتـنـا خـدو

 

دوالغصون بها خضـور

والعيش أستـر مـا يكـو

 

ن إذا تهتكت السـتـور

طاف السقاة بهـا كـمـا

 

أهدت لك الصيد الصقور

عذراء يكتمهـا الـمـزا

 

ج كأنها فـيه ضـمـير

وتظن تحت حـبـابـهـا

 

خدا تقـبـلـه ثـغـور

حتى سـجـدنـا والإمـا

 

م أمـامـنـا بـم وزير

 

وله فيه أيضا من جملة أبيات:

يزور نائلك العافي وصارمك الع

 

اصي فتحويهـا أيد وأعـنـاق

في كل يوم لبيت المجد منك غنى

 

وثروة، ولبيت المـال إمـلاق

 

وله فيه أيضا:

تشبهه المداح في البأس والندى

 

بمن لو رآه كان أصغر خـادم

ففي جيشه خمسون ألفا كعنتر

 

وأمضى،وفي خزانة ألف حاتم

 

ومن شعره أيضا:

لما أصيب الخد مـنـك بـعـارض

 

أضحى بسلسلة الـعـذار مـقـيدا

ومن هاهنا أخذ ابن التلعفري قوله:

 

 

هب أن خدك قد أصيب بعارض

 

فعلام صدغك راح وهو مسلسـل

وأنشدني ابن التلعفري - وهو الشهاب محمد بن يوسف بن مسعود الشيباني - أبياته التي من جملتها هذا البيت.

وبالجملة فأكثر شعره نخب وغرر.وكانت ولادته آخر نهار الجمعة لست خلون من رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة في كرخ بغدادز وتوفي يوم الخميس رابع جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة، رحمه الله تعالى.

والسلامي: نسبة إلى دار السلام بغداد - وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمة محمد بن ناصر الحافظ.