ابن ظفر

أبو عبد الله محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر الصقلي المنعوت بحجة الدين؛ أحد الأدباء الفضلاء، صاحب التصانيف الممتعة، منها كتابسلوان المطاع في عدوان الاتباع صنفه لبعض القواد بصقلية، سنة أربع وخمسين وخمسمائة،وخير البشر بخير البشر وكتاب الينبوع في تفسير القرآن الكريم، وهو كبير، زكتاب نجباء الأبناء، وكتاب الحاشية على درة الغواص للحريري صاحب المقامات، وشرح المقامات للحريري وهما شرحان: كبير وصغير، وغير ذلك من التواليف الظريفة المليحة. ورأيت في أول الشرح الذي له يذكر أنه أخبره بها الحافظ أبو الطاهر السلفي عن منشئها الحريري، والناس يقولون: إن الحافظ السلفي رأى الحريري في جامع البصرة وحوله حلقة، وهو يأخذون عنه المقامات، فسأل عنه فقيل له: إن هذا قد وضع شيئا من الأكاذيب وهو يمليه على الناس، فتنكبه ولم يعرج عليه، والله أعلم بالصواب.

وحكي عن الشيخ تاج الدين الكندي - المقدم ذكره - انه قال: أحلت على ديوان حماة برزق، فسرت إليها لأجل ذلك، فلما حللتها جمع الجماعة بيني وبين ابن ظفر المذكور، وجرت بيننا مناظرة في النحو واللغة، فأوردت عليه مسائل في النحو فلم يمش فيها، وكان حاله في اللغة قريبا، فلما كاد المجلس يتقوض قال ابن ظفر: الشيخ تاج الدين أعلم مني بالنحو وأنا أعلم منه باللغة، فقلت: الأول مسلم والثاني ممنوع، وتفرقنا.

وكان ابن ظفر قصير القامة دميم الخلقة غير صبيح الوجه. ويروى لابن ظفر المذكور شعر، فمن ذلك ما وجدته في بعض المجاميع منسوبا إليه وهو:

حملتك في قلبي فهل أنت عالم

 

بأنك محمول وأنـت مـقـيم

ألا إن شخصا في فؤادي محله

 

وأشتاقه، شخص علي كـريم

 

وقد أخذ هذا المعنى من قول بعض العرب:

سقى بلدا كانت سليمى تحله

 

من المزن ماتروى به وتشيم

وإن لم أكن من ساكنيه فإنـه

 

يحل به شخص علي كـريم

 

وأورد له العماد الأصبهاني في كتاب الخريدةعدة مقاطيع، فمن ذلك قوله:

على قدر فضل المرء تأتي خطوبه

 

ويعرف عند الصبر في ما يصيبه

ومن قل فيما يتقيه اصـطـبـاره

 

فقد قل فيما يرتجـيه نـصـيبـه

وكانت نشأته بمكة، وتنقل في البلاد، ومولده بصقلية، وسكن آخر الوقت بمدينة حماة وتوفي بها سنة خمس وستين وخمسمائة، رحمه الله تعالى. ولم يزل يكابد الفقر إلى أن مات، حتى قيل إنه زوج ابنته في حماة بغير كفء من الحاجة والضرورة، وإن الزوج رحل بها عن حماة وباعها في بعض البلاد.

وظفر: بفتح الظاء المعجمة والفاء وبعدها راء، وهو المصدر من قولهم: ظفر بالشيء يظفر ظفرا، إذا فاز به.

وقد تقدم الكلام على صقلية فلاحاجة إلى إعادته.