ابن عمار الأندلسي

ذو الوزارتين أبو بكر محمد بن عمار، المهري الأندلسي الشلبي الشاعر المشهور؛ هو وابن زيدون القرطبي - المذكور في حرف الهمزة - فرسا رهان، ورضيعا لبان، في التصرف في فنون البيان، وهما كانا شاعري ذلك الزمان.

وكانت ملوك الأندلس تخاف من ابن عمار المذكور لبذاءة لسانه وبراعة إحسانه، لاسيما حين اشتمل عليه المعتمد على الله ابن عباد صاحب غرب الأندلس - الآتي ذكره في هذا الحرف إن شاء الله تعالى - وأنهضه جليسا وسميرا وقدمه وزيرا ومشيرا ثم خلع عليه خاتم الملك ووجهه أميرا، وكان قد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، فتبعته المواكب والمضارب والنجائب والجنائب والكتائب والجنود، وضربت خلفه الطبول ونشرت على رأسه الرايات والبنود، فملك مدينة تدمير، وأصبح راقي منبر وسرير، مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير، ثم وثب على مالك رقه ومستوجب شكره ومستحقه، فبادر إلى عقوقه وبخس حقه، فتحيل المعتمد عليه وسدد سهام المكايد إليه، حتى حصل في قبضته قنيصا، وأصبح لا يجد محيصا، إلى أن قتله المعتمد في قصره ليلا بيده، وأمر من أنزله في ملحده، وذلك في سنة سبع وسبعين وأربعمائة بمدينة إشبيلية.

وكانت ولادته في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وقصته مشهورة، ولما قتله المعتمد رثاه صاحبه أبو محمد عبد الجليل بن وهبون الأندلسي المرسي بقوله من جملة قصيدة:

عجبا له أبكيه ملء مدامعي

 

وأقول لا شلت يمين القاتل

 

وقال أبو نصر الفتح بن خاقان صاحب قلائد العقيان: لقد رأيت عظمي ساقي ابن عمار قد أخرج بعد سنين من حفر حفر بجانب القصر وأساودهما بهما ملتفة، ولبلتهما مشتفة، ما فغرت أفواهما، ولا حل التواؤهما، فرمق الناس العبر، وصدق المكذب الخبر.


يعني بالأساود القيود.


ومن مشاهير قصائد ابن عمار المذكور قوله:

أدر الزجاجة فالنسيم قـد انـبـرى

 

والنجم قد صرف العنان عن السرى

والصبح قد أهدى لـنـا كـافـوره

 

لما استرد الليل منـا الـعـنـبـرا

 

ومن مديحها، وهي في المعتضد بن عباد:

ملك إذا ازدحم الملوك بـمـورد

 

ونحاه لا يردون حتى يصـدرا

أندى على الأكباد من قطر الندى

 

وألذ في الأجفان من سنة الكرى

قداح زند المجد لاينـفـك مـن

 

نار الوغى إلا إلى نار القـرى

 

وهي طويلة وفائقة.


ومن جيد شعره أيضا القصيدة الميمية، وهي أيضا في المعتضد بن عباد، وأولها:

علي، وإلا ما بكاء الغمـائم

 

وفي، وإلا فيم نوح الحمائم

 

ومنها أيضا في وصف وطنه:

كساها الحيا برد الشباب، فإنهـا

 

بلاد بها عق الشباب تمـائمـي

ذكرت بها عهد الصبا فكأنـمـا

 

قدحت بنار الشوق بين الحـيازم

ليالي لاألوي عـلـى رشـد لائم

 

عناني، ولا أتثنيه عن غي هائم

أنال سهادي من عيون نواعـس

 

وأجني عذابي من غصون نواعم

وليل لنا بالسد بـين مـعـاطـف

 

من النهر ينساب انسياب الأرقـم

تمر علينا ثـم عـنـا كـأنـهـا

 

حواسد تمشي بيننا بـالـنـمـائم

بحيث اتخذنا الروض جارا تزورنا

 

هداياه في أيدي الرياح النواسـم

وبتنا ولا واش يحـس كـأنـمـا

 

حللنا مكان السر من صدر كاتـم

 

ومن مديحها:

ملوك مناخ العز في عرصاتـهـم

 

ومثوى المعالي بين تلك المعـالـم

هم البيت ماغير الظبـا لـبـنـائه

 

بأس ولا غير الـقـنـا بـدعـائم

إذا قصر الروع الخطا نهضت بهم

 

طوال العوالي في طوال المعاصم

وأيد أبت من ان تؤوب ولم تـفـز

 

بجز النواصي او بحز الغلاصـم

ندامى الوغى يجرون بالموت كأسها

 

إذا رجعت أسيافهم بالجـمـاجـم

هناك القنا مجرورة من حـفـائظ

 

وثم الظبا مهـزوزة مـن عـزائم

 

ومنها:

إذا ركبوا فانظره أول طاعـن

 

وإن نزلوا فارصده آخر طاعم

 

وهي أيضا طويلة وطنانة.


ومن جملة ذنوبه عند المعتمد بن عباد ما بلغه عنه من هجائه وهجاء أبيه المعتمد في بيتين، هما كانا من أكبر أسباب قتله،وهما:

مما يقبح عندي ذكـر أنـدلـس

 

سماع معتضد فيها ومعـتـمـد

أسماء مملكة في غير موضعهـا

 

كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

 

ومحاسن ابن عمار كثيرة.


والمهري: بفتح الميم وسكون الهاء وبعدها راء، هذه النسبة إلى مهرة بن حيدان بن إلحاف بن قضاعة وهي قبيلة كبيرة ينسب إليها خلق كثير.


والشلبي: بكسر الشين المعجمة وسكون اللام وبعدها باء موحدة، هذه النسبة إلى شلبن وهي مدينة بالأندلس على ساحل البحر.


وتدمير: بضم التاء المثناة من فوقها وشسكون الدال المهملة وكسر الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء، وهي مدينة مرسية، وكان المعتمد ابن عباد قد سير إليها أبا بكر ابن عمار المذكور نائبا عنه، فعصى بها، ولم يزل المعتمد يحتال عليه حتى وقع في قبضته، وقتله بيده كما تقدم أولا، وشهرة هذه الواقعة تغني عن الإطالة في تفصيلها.


وذكر عماد الدين الأصفهاني الكاتب في كتاب الخريدة في ترجمة ابن عمار المذكور: وقتله المعتمد، وكلن أقوى الأسباب لقيله أنه هجاه بشعر ذكر فيه أم بنيه المعروفة بالرمكية، وهي أبيات منها:

تخيرتها من بنات الهجان

 

رمكية لا تساوي عقـالا

فجاءت بكل قصير الذراع

 

لئيم النجارين عما وخالا

قلت: وهذه الرمكية كانت سرية المعتمد، اشتراها من رميك بن حجاج، فنسبت إليه، وكان قد اشتراها في أيام أبيه المعتضد فأفرط في الميل إليها وغلبت عليه، واسمها اعتماد، فاختار لنفسه لقبا يناسب اسمها، هو المعتمد، وتوفيت بأغمات قبل المعتمد بأيام، ولم ترقأ له عبرة ولا فارقته حسرة حتى قضى نحبه أسفا وحزنا، وهي التي أغرت المعتمد على قتل ابن عمار، لكونه هجاها؛ وقيل إن هذا الشعر ليس لابن عمار، وإنما نسبته إليه لكي توغر صدر المعتمد عليه، والله أعلم.