الرصافي الشاعر

أبو عبد الله محمد بن غالب الرفاء الأندلسي الرصافي الشاعر المشهور؛ له أشعار ظريفة ومقاصد في النظم لطيفة، وشعره سائر في الآفاق، ومن أشهر شعره أبياته التي نظمها في غلام صنعته النسج فيها كل الإجادة، وهي:

قالوا وقد أكثروا في حبه عـذلـي

 

لو لم تهم بمذال القدر مـبـتـذل

فقلت لو كان أمري في الصبابة لي

 

لاخترت ذلك ولكن ليس ذلك لـي

أحببته حببي الثـغـر عـاطـره

 

حلو اللمى ساحر الأجفان والمقل

غزيلا لم تزل في الغزل جـائلـه

 

بنانه جولان الفـكـر والـغـزل

جذلان يلعب بالمحواك أنـمـلـه

 

على السدى لعب الأيام بـالـدول

جذبا بكفيه او فحصا بأخـمـصـه

 

تخيط الظبي في أشراك محتبـل

 

وله غير هذا المقطوع أشياء رائقة، فمن ذلك قوله في غلام يبل عينيه بريقه ويظهر أنه يبكي وليس بباك:

عذيري مـن جـذلان يبـكـي كـآبة

 

وأضلعه مـمـا يحـاولـه صـفـر

يبـل مـآقـي زهـرتـيه بـريقــه

 

ويحكي البكا عمدا كما ابتسم الـزهـر

ويوهـم أن الـدمـع بـل جـفـونـه

 

وهل عصرت يوما من النرجس الخمر

 

وله أيضا:

ومهفهف كالغصـن إلا أنـه

 

تتحير اللباب عنـد لـقـائه

أضحى ينام وقد تكلـل خـده

 

عرقا، فقلت:الورد رش بمائه

وتوفي في شهر رمضان، سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بمدينة مالقة، رحمه الله تعالى. والرصافي: بضم الصاد المهملة وبعد الألف فاء، هذه النسبة إلى الرصافة، وهي بليدة صغيرة بالأندلس عند بلنسية، وبالأندلس أيضا بليدة أخرى صغيرة اسمها الرصافة، وهي عند قرطبة، أنشأها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي أول ملوك الأندلس من بني أمية، ويعرف بالداخل، لأنه دخل إلى الأندلس من بلاد الشام خوفا من أبي جعفر المنصور العباسي، وقصته مشهورة، فلما دخلها ملكها وبويع له بقرطبة يوم عيد الأضحى سنة ثمان وثلاثين ومائة، وعمره يومئذ خمس وعشرون سنة، وبنى هذه الرصافة وسماها برصافة جده هشام بن عبد الملك بن مروان، وهي بليدة مشهورة بالشام، كذا قاله ياقوت الحموي-الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - في كتابه المسمىبالمشترك وضعا المختلف صعقا وذكر أن الرصافة اسم تسع مواضع، وعددها، ولولا خوف التطويل لذكرتها، غير أنه لم يذكر رصافة بلنسية، وبهذه الرصافة تكون عشرة مواضع، والله تعالى أعلم.