أبو بكر ابن الصائغ الأندلسي

أبو بكر ابن الصائغ الأندلسي

أبو بكر محمد بن باجه التجيبي الأندلسي السرقسطي المعروف بابن الصائغ، الفيلسوف الشاعر المشهور؛ ذكره أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد بن خاقان القيسي، صاحب قلائد العقيان في كتابه، ونسبه إلى التعطيل ومذهب الحكماء والفلاسفة وانحلال العقيدة، وقال في حقه في كتابه الذي سماه مطمح الأنفس ما مثاله: نظر في كتاب التعاليم، وفكر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم، ورفض كتاب الله الحكيم، ونبذه من وراء ظهره ثاني عطفه، وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واقتصر على الهيئة، وأنكر أن يكون لنا إلى الله فيئة، وحكم للكواكب بالتدبير، واجترم على الله اللطيف الخبير، واجترأ عند سماع النهي والإيعاد، واستهزأ بقوله تعالى "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد" - القصص:85 - فهو يعتقد أن الزمان دور، وأن الإنسان نبات أو نور،حمامة تمامه، واختطافه قطافه، قد محي الإيمان من قلبه فما له فيه رسم، ونسي الرحمن لسانه فما يمر عليه له اسم.

ولقد بالغ ابن خاقان في أمره وجاوز الحد فيما وصفه به من هذه الاعتقادات الفاسدة، والله أعلم بكنه حاله، وأورد له مقاطيع من الشعر، فمن ذلك قوله:

 

أسكان نعـمـان الأراك تـيقـنـوا

 

بأنكم في ربع قـلـبـي سـكـان

ودوموا على حفظ الوداد فطالـمـا

 

بلينا باقوام إذا استؤمنـوا خـانـوا

سلوا الليل عني مذ تنـاءت دياركـم

 

هل اكتحلت بالغمض لي فيه أجفان

وهل جردت أسياف برق سماؤكـم

 

فكانت لها إلا جفـونـي أجـفـان

 

وكان قد أنشدني هذه الأبيات بعض أشياخ المغاربة الفضلاء بمدينة حلب منسوبة إلى ابن الصائغ المذكور، ثم وجدتها بعد ذلك بعينها في ديوان أبي الفتيان محمد بن حيوس - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - فبقيت شاكا فيما أنشدني ذلك الشيخ، وقلت: لعله وهم في نسبتها إلى ابن الصائغ، إلى أن وجدتها في كتابه مطمح الأنفس أيضا منسوبة إلى ابن الصائغ المذكور، والله تعالى أعلم لمن هي منهما.


وله.

ضربوا القباب على أقاحة روضة

 

خطر النسيم بها ففاح عـبـيرا

وتركت قلبي سار بين حمولهـم

 

دامي الكلوم يسوق تلك العـيرا

هلا سألت أسيرهم هل عنـدهـم

 

عان يفك ولو سـألـت غـيورا

لا والذي جعل الغصون معاطفـا

 

لهم وصاغ الأقحـوان ثـغـورا

ما مر بي ريح الصبا من بعدهـم

 

إلا شهقت له فـعـاد سـعـيرا

 

ولما حضرته الوفاة كان ينشد:

أقول لنفسي حين قابلـهـا الـردى

 

فراغت فرارا منه يسرى إلى يمنى

ففي تحملي بعض الذي تكرهـينـه

 

فقد طالما اعتدت الفرار إلى الأهنا

وتوفي في شهر رمضان المعظم سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وقيل سنة خمس وعشرين وخمسمائة مسموما في باذنجان بمدينة فاس، رحمه الله تعالى.

وباجه: بالباء الموحدة وبعد الألف جيم مشددة ثم هاء ساكنة، وهي الفضة بلغة فرنج المغرب.

والتجيبي: بضم التاء المثناة من فوقها وفتحها وكسر الجيم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها باء موحدة؛ هذه النسبة إلى تجيب، وهي أم عدي وسعد ابني أشرس بن شبيب بن السكون، نسب ولدها إليها، وهي تجيب بنت ثوبان بن سليم بن مذحج.

والسرقي: بفتح السين المهملة والراء وضم القاف وسكون السين المهملة وبعدها طاء مهملة، هذه النسبة إلى سرقطة، وهي مدينة بالأندلس خرج منها جماعة من العلماء واستولى عليها سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.