ابن الهبارية

الشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح بن حمزة بن عيسى بن محمد بن عبد الله ابن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي المعروف بابن الهبارية الملقب نظام الدين البغدادي الشاعر المشهور؛ كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد، لكنه كان خبيث اللسان كثير الهجاء والوقوع في الناس لايكاد يسلم من لسانه أحد.

وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال:من شعراء نظام الملك، غلب على شعره الهجاء والهزل والسخف، وسبك في قالب ابن حجاج وسلك أسلوبه وفاقه في الخلاعة، والنظيف من شعره في غاية الحسن؛ انتهى كلام العماد.

وكان ملازما لخدمة نظام الملك أبي علي الحسن بن علي بن إسحاق وزير السلطان ألب أرسلان وولده ملك شاه - وقد تقدم ذكره في حرف الحاء -وله عليه الإنعام التام والإدرار المستمر، وكان بين نظام الملك وتاج الملك أبي الغنائم بن دارست شحناء ومنافسة، كما جرت العادة بمثله بين الرؤساء، فقال أبو الغنائم لابن الهبارية:إن هجوت نظام الملك فلك عندي كذا، وأجزل له الوعد فقال: كيف أهجو شخصا لا أرى في بيتي شيئا إلا من نعمته؟ فقال لابد من هذا، فعمل:

لاغرو إن ملك ابن إس

 

حاق وساعده القـدر

وصفت له الدنـيا وخ

 

ص أبو الغنائم بالكدر

فالدهر كالدولاب لـي

 

س يدور إلا بالبـقـر

 

فبلغت الأبيات نظام الملك، فقال: هو يشير إلى المثل الساءر على ألسن الناس، وهو قولهمأهل طوس بقروكان نظام الملك من طوس، وأغضى عنه ولم يقابله على ذلك بل زاد في إفضاله عليه، فكانت هذه معدودة من مكارم أخلاق نظام الملك وسعة حلمه. وكان مع فرط إحسان كظام الملك إليه يقاسي من غلمانه وأتباعه شر مقاساة لما يعلمونه من بذاءة لسانه، فلما اشتد عليه الحال منهم كتب إلى نظام الملك:

لذ بـنـظـام الـحـضـرتـين الـرضـــى

 

إذا بـنـو الـدهــر تـــحـــاشـــوك

واجـل بـه عـن نـاظـريك الـــقـــذى

 

إذا لــئام الـــقـــوم أعـــشـــوك

واصبر على وحشة غلمانه لابد للورد من الشوك

 

 

 

وذكر العماد الأصبهاني فيالخريدة أنه أنفذ هذه الأبيات مع ولده إلى نقيب النقباء علي بن طراد الزبيبي، ولقبه نظام الحضرتين أبو الحسن.


ومن شعره أيضا:

وجهي يرق عن السؤا

 

ل وحالتي منـه أرق

دقت معاني الفضل في

 

وحرفتي منـهـا أدق

 

ومن معانيه الغريبة قوله في الرد على من يقول إن السفر به يبلغ الوطر:

قالوا أقمت وما رزقـت وإنـمـا

 

بالسير يكتسب اللـبـيب ويرزق

فأجبتهم ما كـل سـير نـافـعـا

 

الحظ ينفع لا الرحيل المـقـلـق

كم سفرة نفعت، وأخرى مثلـهـا

 

ضرت، ويكتسب الحريص ويخفق

كالبدر يكتسب الكمـال بـسـيره

 

وبه إذا حرم السعـادة يمـحـق

وله أيضا:

خذ جملة البلوى ودع تفصيلهـا

 

ما في البرية كلهـا إنـسـان

وإذا البياذق في الدسوت تفرزنت

 

فالرأي أن يتبـيذق الـفـرزان

وله على سبيل الخلاعة والمجون:

يقول أبو سعـيد إذ رآنـي

 

عفيفا منذ عام ما شربـت

على يد أي شيخ قـل لـي

 

فقلت على يد الإفلاس تبت

 

وله في المعنى أيضا:

رأيت فـي الـنـوم عـرسـي وهـي مـــمـــســـكة

 

أذنـي، وفـي كـفــلـــهـــا شـــيء مـــن الأدم

معـوج الـشـكــل مـــســـود بـــه نـــقـــط

 

لكـن أســفـــلـــه فـــي هـــيئة الـــقـــدم

تظـل تـرقـعـنـي كـيمـــا تـــرنـــخـــنـــي

 

فصـرت ألـتـــئذ بـــالإيقـــاع والـــنـــغـــم

حتى تنبهت محمر القذال، ولو طال المنام على الشيخ الأديب عمي

 

 

 

وله أيضا:

المجلس التاجي، دام جماله

 

وجلاله وكماله، بسـتـان

والعبد فيه حمامة، تغريدها

 

فيه المديح وطوقه الإحسان

 

وله:

وعندي شـوق دائم وصـبـابة

 

ومن أنا ذا حتى أقول له عندي

إلى رجل لو أن بعض ذكـائه

 

على كل مولود تكلم في المهد

فلولا نداه خفـت نـار ذكـائه

 

عليه ولكن الندى مانع الوقـد

 

وله أيضا:

دعوه ما شاء فعـل

 

سيان صد أو وصل

فكم رأينا قبـلـهـا

 

أسود من ذا ونصل

 

ومحاسنه كثيرة.


وله كتابنتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنةوقد سبق في ترجمة البارع الدباس في حرف الحاء ذكر الأبيات الدالية وجوابها وما دار بينهما، وسيأتي في ترجمة الوزير فخر الدولة محمد بن جهير واقعة لطيفة جرت له مع السابق الشاعر المعري، إن شاء الله تعالى.


وديوان شعره كبير يدخل في أربع مجلدات، ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب دليلة ودمنة وهو أراجيز، وعدد بيوته ألفا بيت، نظمها في عش سنين، ولقد أجاد فيه كل الإجادة، وسير الكتاب على يد ولده الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي صاحب الحلة - المقدم ذكره في حرف الصاد - وختمه بهذه الأبيات، وهي:

هذا كتـاب حـسـن

 

تحار فيه الفـطـن

أنفـقـت فـيه مـدة

 

عشر سـنـين عـدة

منذ سمعت باسمـكـا

 

وضعته برسمـكـا

بيوتـه ألــفـــان

 

جميعها مـعـانـي

لو ظل كل شـاعـر

 

ونـاظـم ونـاثـر

كعمر نوح الـتـالـد

 

في نظم بيت واحـد

من مثله لـمـا قـدر

 

ما كل من قال شعر

أنفذتـه مـع ولـدي

 

بل مهجتي وكبـدي

وأنت عنـد ظـنـي

 

أهـل لـكـل مـن

وقد طـوى إلـيكـا

 

توكلا عـلـيكـمـا

مشــقة شـــديدة

 

سعـيا ومـا ونـيت

إن الفخار والـعـلا

 

إرثك من دون الورى

فأجزل صلته وأسنى جائزته.

وتوفي ابن الهبارية المذكور بكرمان سنة أربع وخمسمائة، هكذا قال العماد الأصبهاني في كتاب الخريدة بعد أن أقام مدة بأصبهان وخرج إلى كرمان وأقام بها إلى آخر عمره، وقال ابن السمعاني: توفي بعد سنة تسعين وأربعمائة.

والهبارية: بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف راء، هذه النسبة إلى هبار، وهو جد أبي يعلى المذكور لأمه.

وكرمان: بكسر الكاف وقيل بقتحها وسكون الراء وفتح الميم وبعد الألف نون، وهي ولاية كبيرة تشتمل على مدن كبار وصغار، وخرج منها خلق من الأعيان، وهي متصلة بأطراف أعمال خراسان، ومن جانبها الآخر البحر، والله أعلم.