ابن أبي الصقر الواسطي

أبو الحسن محمد بن علي بن عمر، المعروف بابن أبي الصقرالواسطي؛ كان فقيها شافعي المذهب، تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، رحمه الله تعالى، لكنه غلب عليه الأدب والشعر واشتهر به، ورأيت له بدمشق ديوان شعر في الخزانة الأشرفية التي في الجامع المشهور في تربته شمال الكلاسة التي هي زيادة في الجامع الكبير، والديوان مجلد وحد، وكان شديد التعصب للطائفة الشافعية، وظهر ذلك في قصائده المعروفة بالشافعية، وله في الشيخ أبي إسحاق الشيرازي مرات، وكان كاملا في البلاغة والفضل وحسن الخط وجودة الشعر.

وذكره أبو المعالي الحظيري - المقدم ذكره - في كتابزينة الدهر وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك قوله:

كل رزق ترجوه من مخـلـوق

 

يعتريه ضرب من التـعـويق

وأنا قائل واستـغـفـر الـلـه

 

مقال المجاز لا الـتـحـقـيق

لست أرضى من فعل إبليس شيئا

 

غير ترك السجود للمخـلـوق

 

وذكر له أيضا:

وحرمة الود مالي عنكم عـوض

 

لأنني ليس لي في غيركم غرض

أشتاقكم وبودي لو يواصـلـنـي

 

لكم خيال ولكن لست أغتمـض

وقد شرطت على قوم صحبتهـم

 

بأن قلبي لكم من دونهم، ورضوا

ومن حديثي بكم قالوا به مـرض

 

فقلت لا زال عني ذلك المرض

وكان قد طعن في السن وضعف عن المشي فصار يتوكأ على عصا، فقال في ذلك:

 

كل أمري إذا تـفـكـرت فـيه

 

وتـأمـلـتـه رأيت ظـريفـا

كنت أمشي على اثنـتـين قـويا

 

صرت أمشي على ثلاث ضعيفا

 

قلت: ولي أبيات أشير فيها إلى مثل هذا المعنى وهي:

يا سائلي عن حالتي

 

خذ شرحها ملخصا

قد صرت بعد قـوة

 

تفض أفلاذ الحصى

أمشي علـى ثـلاثة

 

أجود ما فيها العصا

 

ولابن أبي الصقر أيضا في اعتذاره عن ترك القيام لأصدقائه:

علة سميت ثمانين عامـا

 

منعتني للأصدقاء القياما

فإذا عمروا تمهد عـذري

 

عندهم بالذي ذكرت وقاما

 

وله في كبره أيضا:

ولما إلى عشر تسعين صرت

 

ومالي إليها أب قبل صـارا

تيقنت أنـي مـسـتـبـدل

 

بداري دارا وبالجار جـارا

فتبت إلى الله مما مـضـى

 

ولن يدخل الله من تاب نارا

 

وله أيضا وقد حضر عزاء صغير وهو يرتعش من الكبر، فتغامز عليه الحاضرون كيف مات الصغير وبقي هذا الشيخ في هذا السن، فقال:

إذا دخل الشيخ بين الشبـاب

 

عزاء وقد مات طفل صغير

رأيت اعتراضا على اللـه إذ

 

توفى الصغير وعاش الكبير

فقل لابن شهر وقل لابن ألف

 

وما بين ذلك: هذا المصـير

وله أيضا في ذلك:

ابن أبي الصقر افتكروا

 

وقال في حال الكبـر

والـلـه لـولا بـولة

 

تحرقني وقت السحر

لمـا ذكـرت أن لـي

 

مابين فخـذي ذكـر

وله كل مقطوع مليح.

وكانت ولادته ليلة الاثنين ثالث عشر ذي القعدة سنة تسع وأربعمائة. وتوفي يوم الخميس رابع عشر جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة بواسط، رحمه الله تعالى.