الأبلة الشاعر

أبو عبد الله محمد بن بختيار بن عبد الله الولد، المعروف بالأبلة البغدادي، الشاعر المشهور أحد المتأخرين المجيدين،جمع في شعره بين الصناعة والرقة، وله ديوان شعر بايدي الناس كثير الوجود.

وذكره العماد الكاتب الأصبهاني في كتاب الخريدة فقال: هو شاب ظريف يتزيا بزي الجند، رقيق أسلوب الشعر حلو الصناعة رائق البراعة عذب اللفظ،أرق من النسيم السحري وحسن من الوشي التستري، وكلما ما ينظمه،ولو أنه يسير، يسير، والمغنون يغنون برائقات أبياته عن أصوات القدماء، فهم يتهافتون على نظمه المطرب تهافت الطير الحوم على عذب المشرب. ثم قال: أنشدني لنفسه من قصيدة سنة خمس وخمسين وخمسمائة ببغداد:

زار من أحيا بـزورتـه

 

والدجى في لون طرته

قمر يثني مـعـانـقـه

 

بانة في طي بـردتـه

بت أستجلي المدام علـى

 

غرة الواشي وغـرتـه

يالها من زورة قصرت

 

فأملت طول جفـوتـه

آه من حضر له وعلـى

 

رشفة من برد ريقتـه

يا له في الحسن من صنم

 

كلنا من جـاهـلـيتـه

 

ومن أبياته السائرة قوله من جملة قصيدة أنيقة:

لايعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها

 

ومن رقيق شعره قوله في غزل قصيدة:

دعني أكابد لوعتـي وأعـانـي

 

أين الطليق من الأسير العانـي

آليت لا أدع المـلام يغـرنـي

 

من بعد ما أخذ الغرام عنانـي

أولا تروض العاذلات وقد أرى

 

روضات حسن في خدود حسان

ولدي يلتمس السلـو، ولـم أزل

 

حي الصبابة ميت السـلـوان

يا برق إن تجفالعقيق فطالـمـا

 

أغنته عنك سحائب الأجـفـان

هيهات أن أنسى رباك ووقفـه

 

فيها أغير بها على الـغـيران

ومهفهف ساجي اللحاظ حفظته

 

فأضاعني وأطعته فعصـانـي

يصمي قلوب العاشقين بمـقـلة

 

طرف السنان وطرفها سـيان

خنث الدلال: بشعره وبثـغـره

 

يوم الوداع أضلني وهـدانـي

ما قام معتـد لايهـز قـوامـه

 

إلا وبانت خجلة فـي الـبـان

ياأهل نعمان إلى وجنـاتـكـم

 

تعزى الشقائق لا إلى نعمـان

ما يفعل المران من يد قـلـب

 

في القلب فعل مرارة الهجران

 

وهي قصيدة طويلة ومديحها جيد، وجميع شعره على هذا الأسلوب والنسق ومخالصة من الغزل إلى المدح في نهاية الحسن، وقل من يلحقه فيها، فمن ذلك قوله من قصيدة أولها:

جنيت جني الورد من ذلك الخـد

 

وعانقت غصن البان من ذلك القد

 

فلما انتهى إلى مخلصها قال:

لئن يوما بـسـمـعـي مـلامة

 

لهند فلا عفت الملامة في هنـد

ولا وجدت عيني سبيلا إلى البكا

 

ولا بت في أسر الصبابة والوجد

وبحت بما ألقى ورحت مقابـلا

 

سماحة مجد الدين بالكفر والجحد

 

وقوله من قصيدة أخرى:

فلا وجد سوى وجدي بليلى

 

ولا مجد كمجد ابن الدوامي

 

وقوله في أخرى:

فأقسم أني أفي الصبـابة واحـد

 

وأن كمال الدين في الجود واحد

 

إلى غير ذلك.


وكانت وفاته، على ماقاله ابن الجوزي في تاريخه، في جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين، وقال غيره: سنة ثمانين وخمسمائة ببغداد، ودفن في باب أبرز محاذي التاجية، رحمه الله تعالى.


 والأبلة: معروف فلا حاجة إلى ضبطه، وإنما قيل له أبلة لأنه كان فيه طرف بلة، وقيل لأنه كان في غاية الذكاء، وهو من أسماء الأضداد، كما قيل للأسود:كافور.


وكان له ميل إلى بعض أبناء البغاددة، فعبر على باب داره فوجد خلوة، فكتب على الباب، قال العماد الكاتب: وأنشدنيهما:

دارك يا بـدر الـــدجـــى جـــنة

 

بغـيرهـا نـفـسـي مـاتـلــهـــو

وقد روي في خبر أنه أكثر أهل الجنة البلة

 

 

ولابن التعاويذي المذكور بعده فيه هجاء أفحش فيه، فأضربت عن ذكره مع أنها أبيات جيدة، والله أعلم.