أبو شجاع الفرضي

أبو شجاع محمد بن علي بن شعيب، المعروف بابن الدهان، الملقب فخر الدين، البغدادي الفرضي الحاسب الأديب؛ هو من أعل بغداد، وانتقل إلى الموصل وصحب جمال الدين الأصبهاني الوزير بها، ثم تحول إلى خدمة السلطان سلاح الدين فولاه ديوان ميافارقين، فلم يمش له بها حال مع واليها، فدخل إلى دمشق فاجري له بها رزق لم يكن كافياً وكان يزجي به الوقت، ثم ارتحل إلى مصر في سنة ست وثمانين وخمسمائة ثم عاد منها إلي دمشق وجعلها دار إقامة.

وله أوضاع الجداول في الفرائض وغيرها، وصنف "غريب الحديث" في ستة عشر مجلداً لطافاً، ورمز فيه حروفاً يستدل بها على أماكن الكلمات المطلوبة منه، وكان قلمه أبلغ من لسانه، وجمع تاريخاً وغير ذلك.

وذكره أبو البركات ابن المستوفي في "تاريخ إربل" وعده في زمرة الوافدين عليها، وقال في حقه: عالم فاضل متفنن، وله شعر جيد، وذكر الأبيات التي مدح بها تاج الدين أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي، وقد ذكرتها في ترجمة الكندي.

وذكره أيضاً العماد الكاتب في "الخريدة" وأثنى عليه، وأورد له مقاطيع أحسن فيها، فمن ذلك قوله في ابن الدهان المعروف بالناصح أبي محمد سعيد بن المبارك النحوي وقد سبق ذكره وكان مخلاً بإحدى عينيه:

لا يبعد الدهان إن ابـنـه

 

أدهن منه بـطـريقـين

في عجب البحر فحدث به

 

بفرد عينٍ وبـوجـهـين

ومنه ما كتبه إلى بعض الرؤساء وقد عوفي من مرضه:

نذر الناس يوم برئك صومـاً

 

غير أني نذرت وحدي فطرا

عالمـاً أن يوم بـرئك عـيدٌ

 

لا أرى صومه ولو كان نذرا

 وله غير ذلك أناشيد حسان. وكانت له اليد الطولى في النجوم وحل الأزياج. وتوفي في صفر سنة تسعين وخمسمائة بالحلة السيفية، وكان سبب موته أنه حج من دمشق وعاد على طريق العراق، ولما وصل إلى الحلة عثر جمله هناك فأصاب وجهه بعض خشب المحمل فمات لوقته. وكان شيخاً دميم الخلقة مسنون الوجه مسترسل اللحية خفيفها، أبيض تعلوه صفر، رحمه الله تعالى. وقيل إنه كان يلقب برهان الدين، والله أعلم أي ذلك كان.

وقد تقدم الكلام على الحلة فلا حاجة إلى إعادته.