أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن قائد، الملقب موفق الدين الإربلي أصلاً ومنشأ البحراني مولداً الشاعر المشهور؛ كان غماماً مقدماً في علم العربية، مفننا في أنواع الشعر، ومن اعلم الناس بالعروض والقوافي وأحذقهم بنقد الشعر وأعرفهم بجيده من رديئه وأدقهم نظراً في اختياره. واشتغل بشيء من علوم الأوائل، وحل كتاب إقليدس، وبدأ ينظم الشعر وهو صبي صغير بالبحرين جرياً على عادة العرب قبل أن ينظر في الأدب.
وهو شيخ أبي البركات ابن المستوفي صاحب "تاريخ إربل"- المقدم ذكره - وعليه اشتغل بعلوم الشعر وبه تخرج، وقد ذكره في تاريخه وعدد فضائله، وقال: كان شيخنا أبو الحرم مكي الماكسيني، النحوي- وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى- يراجعه كثير من المسائل المشكلة في النحو وكان يرجع إليه في أجوبة ما يورد عليه. وكان قد رحل إلى شهرزور وأقام بها مدة، ثم رحل إلى دمشق ومدح السلطان صلاح الدين، رحمه الله تعالى، بقصيدة طويلة، وله ديوان شعر جيد ورسائل حسنة، وكان في الشعر في طبقة معاصريه ممن تقدم ذكرهم. ومن شعره قصيدة يمدح بها زين الدين أبا المظفر يوسف بن زين الدين صاحب إربل- وقد تقدم ذكره في ترجمة أخيه مظفر الدين في حرف الكاف -:
رب دار بالغضا طال يلاهـا |
|
عكف الركب عليها فبكاهـا |
درست إلا بـقـايا أسـطـر |
|
سمح الدهر بها ثم محـاهـا |
كان لي فيها زمان وانقضـى |
|
فسقى الله زماني وسقـاهـا |
وقفت فيها الـغـوادي وقـفةً |
|
ألصقت حر ثراها بحشاهـا |
وبكـت أطـلالـهـا نـائبةً |
|
عن جفوني، أحسن الله جزاها |
قل لجـيران مـواثـيقـهـم |
|
كلما أحكمتها رثت قـواهـا |
كنت مشغوفاً بكم إذا كـنـتـم |
|
شجراً لا يبلغ الطير ذراهـا |
لا تبيت اللـيل إلا حـولـهـا |
|
حرس ترشح بالموت ظباهـا |
وإذا مدت إلى أغصـانـهـا |
|
كف جان قطعت دون جناها |
فتراخى الأمر حتى أصبـحـت |
|
هملاً يطمع فيهـا مـن رآهـا |
تخصب الأرض فلا أقـربـهـا |
|
رائداً إلا إذا عـز حـمـاهـا |
لا يراني الـلـه أرعـى روضةً |
|
سهلة الأكناف من شاء رعاهـا |
وإذا ما طمـع أغـرى بـكـم |
|
عرض اليأس لنفسي فثنـاهـا |
فصبـابـات الـهـوى أولـهـا |
|
طمع النفس وهذا منتـهـاهـا |
لا تظنوا لـي إلـيكـم رجـعةً |
|
كشف التجريب عن عيني عماها |
إن زين الـدين أولانـــي يداً |
|
لم تدع لي رغبة فيما سـواهـا |
وهي طويلة أجاد في مدحها.
وكان أبوه من أهل إربل وصنعته التجارة، وكان يتردد من إربل إلى البحرين
ويقيم بها مدة لتحصيل اللآلئ من المغاصات أسوة التجار، فاتفق أن ولد له
هناك الموفق أبو عبد الله المذكور، ثم انتقل إلى إربل فنسب إلى البحرين
لهذا السبب.
وله معنى مليح في غلام اسمه السهم وقد التحى:
قالوا التحى السهم قلت حصن |
|
حشـاك فـالآن لا يطـيش |
فالسهم لا ينـفـذ الـرمـايا |
|
إلا إذا كـان فـــيه ريش |
وتوفي ليلة الأحد ثالث شهر ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وخمسمائة بإربل، ودفن بمقبرة أهله قبلي البست، رحمه الله تعالى. قال المطرزي في كتاب "المغرب": البست كلمة فارسية وهو مفتح الماء في فم النهر.
والبحراني: بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وفتح الراء وبع
الألف نون، هذه النسبة إلى البحرين المقدم ذكرها، وهي بليدة بالقرب من
هجر، قال الأزهري: وإنما سميت البحرين لأن في ناحية قراها بحيرة على
باب الأحساء وقرى، هجر بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ، وقدرت
البحيرة ثلاثة أميال في مثلها، ولا يغيض ماؤها، وهو راكد زعاق. وحدث
أبو عبيد عن أبي محمد اليزيدي قال: سألني المهدي وسأل الكسائي عن
النسبة إلى البحرين وعن الحصين، لم قالوا: حصني، وبحراني؟ فقال
الكسائي: كرهوا أن يقولوا حصناني لاجتماع النونين، قال: وقلت أنا:
كرهوا أن يقولوا بحري فتشبه النسبة إلى البحر.
والبست: بفتح الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها تاء مثناة من
فوقها، واد عريض في وسط إربل تجري فيه مياه السيول في الشتاء والربيع
وفيه شيء كثير من الحجارة الصغار، والله أعلم.