المعتمد بن عباد ملك الأندلس وأبوه وجده

المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن المعتضد بالله أبي عمرو عباد بن الظافر المؤيد بالله أبي القاسم محمد قاضي إشبيلية بن أبي الوليد إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف بن نعيم، اللخمي من ولد النعمان بن المنذر اللخمي آخر ملوك الحيرة؛ كان المعتمد المذكور صاحب قرطبة وإشبيلية وما والاهما من جزيرة الأندلس وفيه وفي أبيه المعتضد يقول بعض لشعراء:

من بني المنذرين وهو انتساب

 

زاد في فخره بنـو عـبـاد

فتية لم تلد سواها المعـالـي

 

والمعانـي قـلـيلة الأولاد

 

وكان بدء أمرهم في بلاد الأندلس أن نعيماً وابنه عطافاً أول من دخل إليها من بلاد المشرق، وهما من أهل العريش، المدينة القديمة الفاضلة بين الشام والديار المصرية في أول الرمل من جهة الشام؟، وأقاما بها مستوطنين بقرية بقرب يومين من إقليم طشانة من أرض اشبيلية.


وامتد لعطاف عمود النسب في الولد إلى الظافر محمد بن إسماعيل القاضي، فهو أول من نبغ منهم في تلك البلاد وتقدم بإشبيلية إلى أن ولي القضاء بها فأحسن السياسة مع الرعية والملاطفة بهم، فرمقته القلوب، وكان يحيى بن علي بن حمود الحسني المنعوت بالمعتلي صاحب قرطبة، وكان مذموم السيرة، فتوجه إلى إشبيلية محاصراً لها، فلما نزل عليها اجتمع رؤساء إشبيلية وأعيانها وأتوا القاضي محمداً المذكور وقالوا له: أما ترى ما حل بنا من هذا الظالم وما أفسد من أموال الناس؟ فقم بنا نخرج إليه ونملكك ونجعل الأمر إليك، ففعل، ووثبوا على يحيى، فركب إليهم وهو سكران فقتل.


 وتم له الأمر ثم ملك بعد ذلك قرطبة وغيرها من البلاد. وقصته مشهورة مع الذي زعم أنه هشام بن الحكم آخر ملوك بني أمية بالأندلس الذي كان المنصور بن أبي عامر قد استولى عليه وحجبه عن الناس، وكان يصدر الأمور عن إشارته، ولا يمنه من التصرف، ليس له سوى الاسم والخطبة على المنابر، فإنه كان قد انقطع خبره مدة نيف وعشرين سنة، وجرت أحوال مختلفة في هذه المدة، ثم قيل للقاضي محمد المذكور بعد تملكه واستيلائه على البلاد: إن هشام بن الحكم في مسجد بقلعة رباح، فأرسل إليه من أحضره، وفوض الأمر إليه، وجعل نفسه كالوزير بين يديه، وهذه الواقعة يقول الحافظ أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب "نقط العروس": أخلوقة لم يقع في الدهر مثلها فإنه ظهر رجل يقال له خلف الحصري بعد نيف وعشرين سنة من موت هشام بن الحكم المنعوت بالمؤيد وادعى أنه هشام، فبويع وخطب له على جميع منابر الأندلس في أوقات شتى، وسفك الدماء وتصادمت الجيوش في أمره، وأقام المدعي أنه هشام نيفاً وعشرين سنة، والقاضي محمد بن إسماعيل في رتبة الوزير بين يديه، والأمر إليه، ولم يزل الأمر كذلك إلى أن توفي المدعو هشاماً، فاستبد القاضي محمد بالأمر بعده. وكان من أهل العلم والأدب والمعرفة التامة بتدبير الدول، ولم يزل ملكاً مستقلاً إلى أن توفي ليلة الأحد لليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة؛ وقيل إنه عاش إلى قريب الخمسين وأربعمائة ودفن بقصر إشبيلية، واختلفوا أيضاً في مبدإ استلائه: فقيل سنة أربع عشرة وأربعمائة، وهو الذي ذكره العماد الكاتب في "الخريدة"، وقيل أربع وعشرين، والله أعلم بالصواب في ذلك كله.


ولما مات محمد القاضي قام مقامه ولده المعتضد بالله أبو عمرو عباد، قال أبو الحسن علي بن بسام صاحب كتاب "الذخيرة" في حقه: ثم أفضى الأمر إلى عباد سنة ثلاث وثلاثين، وتسمى أولاً بفخر الدولة ثم بالمعتضد، قطب رحى الفتنة، ومنتهى غاية المحنة، من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد، ولا سلم منه قريب ولا بعيد، جبار أبرم الأمر وهو متناقض، وأسد فرس الطلا وهو رابض، متهور تتحاماه الدهاة، وجبان لا تأمنه الكماة، متعسف اهتدى، ومنبت قطع ما أبقى، ثار والناس حرب وضبط شأنه بين قائم وقاعد، حتى طالت يده واتسع بلده وكثر عديده وعدده، وكان قد أوتي أيضاً من جمال الصورة وتمام الخلقة وفخامة الهيئة وسباطة البنان وثقوب الذهن وحضور الخاطر وصدق الحس، ما فاق على نظرائه، ونظر مع ذلك في الأدب قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان أدنى نظر بأزكى طبع حصل منه لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعمد لها ولا إمعان في غمارها ولا إكثار من مطالعتها ولا منافسة في اقتناء صحائفها، أعطته سجية على ذلك ما شاء من تحبير الكلام وقرض قطع من الشعر ذات طلاوة في معان أمدته فيها الطبيعة، وبلغ فيها الإرادة، واكتتبها الأدباء للبراعة، جمع هذه الخلال الظاهرة إلى جود كف باري السحاب بها. وأخبار المعتضد في جميع أفعاله وضروب أنحائه غريبة بديعة. وكان ذا كلف بالنساء فاستوسع في اتخاذهن وخلط في جنوسهن، فانتهى في ذلك إلى مدى لم يبلغه أحد من نظرائه، ففشا نسله لتوسعه في النكاح وقوته عليه، فذكر أنه كان له من الولد نحو العشرين ذكوراً، ومن الإناث مثلهم. وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك قوله:

شربنا وجفن الليل يغسل كحله

 

بماء صباحٍ والنسيم رقـيق

معتقة كالتبر أما نجـارهـا

 

فضخم وأما جسمها فدقـيق

 

-وقد تقدم في ترجمة أبي بكر محمد بن عمار الأندلسي ذكر شيء من قصيدتيه اللتين مدح المعتضد المذكور بهما: إحداهما رائية والأخرى ميمية -.


ولولده المعتمد فيه من جملة أبيات:

سميدع يهب الآلاف مبتدئاً

 

ويستقل عطاياه ويعتـذر

له يد كل جبارٍ يقبـلـهـا

 

لولا نداها لقلنا إنها الحجر

 

ولم يزل في غز سلطانه واغتنام مساره، حتى أصابته علة الذبحة، فلم تطل مدتها، ولما أحس بتداني حمامه استدعى مغنياً يغنيه ليجعل ما يبدأ به فألاً فأول ما غنى:

نطوي الليالي علماً أن ستطوينا

 

فشعشعيها بماء المزن واستقينا

 

 فتطير من ذلك ولم يعش بعده سوى خمسة أيام وقيل إنه ما غنى منها إلا بخمسة أبيات وتوفي يوم الاثنين غرة جمادى الآخرة سنة إحدى وستين وأربعمائة، ودفن ثاني يوم بمدينة إشبيلية، رحمه الله تعالى.


وقام بالمملكة بعده ولده المعتمد على الله أبو القاسم محمد.


قال أبو الحسن علي بن القطاع السعدي- المقدم ذكره - في كتاب "لمح الملح" في حق المعتمد المذكور: أندى ملوك الأندلس راحة، وأرحبهم ساحة، وأعظمهم ثماداً، وأرفعهم عماداً، ولذلك كانت حضرته ملقى الرحال، وموسم الشعراء، وقبلة الآمال ومألف الفضلاء، حتى إنه لم يجتمع بباب أحد من ملوك عصره من أعيان الشعراء وأفاضل الأدباء ما كان يجتمع ببابه، وتشتمل عليه حاشيتا جنابه.


وقال ابن بسام في "الذخيرة": وللمعتمد بن عباد شعر كما انشق الكمام عن الزهر، لو صدر مثله عمن جعل الشعر صناعة واتخذه بضاعة، لكان رائقاً معجباً ونادراً مستغرباً، فمن ذلك قوله:

أكثرت هجرك غير أنك ربما

 

عطفتك أحياناً علي أمـور

فكأنما زمن التهاجر بينـنـا

 

ليلٌ وساعات الوصال بدور

 

وهذا المعنى ينظر إلى قول بعضهم من جملة أبيات:

أسفر ضوء الصبح عن وجهه

 

فقام خال الخـد فـيه بـلال

كأنما الـخـال عـلـى خـده

 

ساعة هجرٍ في زمان الوصال

 

وعزم المعتمد على إرسال حظاياه من قرطبة إلى إشبيلية، فخرج معهن يشيعهن فسايرهن من أول الليل إلى الصبح، فودعهن ورجع وأنشد أبياتاً من جملتها:

سايرتهم والليل غفلٌ ثـوبـه

 

حتى تبدى للنواظر معلمـا

فوقفت ثم مودعاً وتسلمـت

 

مني يد الإصباح تلك الأنجما

 

وهذا المعنى في نهاية الحسن. وله في وداعهن أيضاً:

ولمـا وقـفـنـا لـلـوداع غـديةً

 

وقد خفقت في ساحة القطر رايات

بكينا دماً حتـى كـأن عـيونـنـا

 

بجري الدموع الحمر منها جراحات

 

وهذا ينظر إلى قول القائل:

بكيت دماً حتى لقـد قـال قـائلٌ

 

أهذا الفتى من جفن عينيه يرعف

 

وقد سبق في شعر الأبيوردي نظيره.


ومن شعره أيضاً:

لولا عيونٌ من الواشين ترمـقـنـي

 

ومـا أحـاذر مـن قـول حـراس

لزرتكم لا أكافيكـم بـجـفـوتـكـم

 

مشياً على الوجه أو سعياً على الراس

 

وكتب إلى نداماه من قصره بقرطبة وقد اصطبحوا بالزهراء يدعوهم إلى الاغتباق عنده:

حسد القصر فيكم الزهراء

 

ولعمري وعمركم ما أساء

قد طلعتم بها شموساً نهاراً

 

فاطلعوا عندنا بدوراً مساء

 

وهذا من بديع المعاني العجيبة.


والزهراء: بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الراء وبعدها همزة ممدودة، وهي من عجائب أبنية الدنيا، أنشأها أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الملقب الناصر أحد ملوك بني أمية بالأندلس، بالقرب من قرطبة، في أول سنة خمس وعشرين وثلثمائة، ومسافة ما بينهما أربعة أميال وثلثا ميل، وطول الزهراء من الشرق إلى الغرب ألفان وسبعمائة ذراع، وعرضها من القبلة إلى الجنوب ألف وخمسمائة ذراع، وعدد السواري التي فيها أربعة آلاف سارية وثلثمائة سارية، وعدد أبوابها يزيد على خمسة عشر ألف باب. وكان الناصر يقسم جباية البلاد أثلاثاً، فثلث للجند وثلث مدخر وثلث ينفقه على عمارة الزهراء، وكانت جباية الأندلس يومئذ خمسة آلاف دينار أربعمائة ألف وثمانين ألف دينار، ومن السوق والمستخلص سبعمائة ألف وخمسة وستون ألف دينار، وهي من أهول ما بناه الإنس وأجله خطراً وأعظمه شأناً، ذكر ذلك كله ابن بشكوال- المقدم ذكره في حرف الخاء - في "تاريخ الأندلس".


وكان أبو بكر محمد بن عيسى بن محمد اللخمي الداني الشاعر المشهور مائلاً إلى بني عباد بطبعه، إذ كان المعتمد الذي جذب بضبعه، وله في المدائح الأنيقة، فمن ذلك قصيدة يمدحه بها ويذكر أولاده الربعة وهم: الرشيد عبيد الله، والراضي يزيد والمأمون والمؤتمن، ومن جملتها قوله، ولقد أجاد فيه كل الإجادة وأبدع فيه:

يغيثك في محـل، يغـنـيك فـي ردىً

 

يروعك في درع، يروقـك فـي بـرد

جمـال وإجـمـالٌ وسـبـق وصـولة

 

كشمس الضحى كالمزن كالبرق كالرعد

بمهجته شاد العـلا ثـم زادهـا

 

بناء بأبنـاءٍ جـحـاجـحة لـد

بأربعة مثل الطباع تـركـبـوا

 

لتعديل جسم المجد والشرف العد

 

ومع هذا المكارم والإحسان العام لم يسلموا من لسان طاعن، وفيهم يقول أبو الحسن جعفر بن إبراهيم بن الحاج اللورقي:

تعز عن الدنيا ومعروف أهلها

 

إذا عدم المعروف في آل عباد

حللت بهم ضيفاً ثلاثة أشهـر

 

بغير قرى ثم ارتحلت بلا زاد

 

وكان الأذفونش فرذلند ملك الإفرنج بالأندلس قد قوي أمره في ذلك الوقت، وكانت ملوك الطوائف من المسلمين هناك يصالحونه، ويؤدون إليه ضريبة، ثم إنه أخذ طليطلة في يوم الثلاثاء مستهل صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بعد حصار شديد، وكانت للقادر بالله بن ذي النون، وفي أخذها يقول أبو محمد عبد الله بن فرج بن غزلون اليحصبي، يعرف بابن العسال الطليطلي، وهو مذكور في "الصلة" لابن بشكوال:

حثوا رواحلكم يا أهل أنـدلـس

 

فما المقام بها إلا من الغـلـط

السلك ينثر من أطـرافـه وأرى

 

سلك الجزيرة منثوراً من الوسط

من جاور الشر لم يأمن عواقبـه

 

كيف الحياة مع الحيات في سفط

 

وكان المعتمد بن عباد أكبر ملوك الطوائف وأكثرهم بلاداً. وكان يؤدي الضريبة للأذفونش، فلما ملك طليطلة لم يقبل ضريبة المعتمد طمعاً في أخذ بلاده، وأرسل إليه يتهدده ويقول له: تنزل عن الحصون التي بيدك ويكون لك السهل: فضرب المعتمد الرسول وقتل من كان معه، فبلغ الخبر للأذفونش وهو متوجه لحصار قرطبة فرجع إلى طليطلة لأخذ آلات الحصار.


فلما سمع مشايخ الإسلام وفقهاؤها بذلك اجتمعوا وقالوا: هذه مدن الإسلام قد تغلب عليها الفرنج، وملوكنا مشتغلون بمقاتلة بعضهم بعضاً، وإن استمرت الحال ملك الفرج جميع البلاد، وجاءوا إلى القاضي عبيد الله بن محمد بن أدهم وفاوضوه فيما نزل بالمسلمين وتشاوروا فيما يفعلونه، فقال كل واحد منهم شيئاً، وآخر ما اجتمع رأيهم عليه أن يكتبوا إلى أبي يعقوب يوسف بن تاشفين ملك الملثمين صاحب مراكش يستنجدونه- وسيأتي ذكره في حرف الياء إن شاء الله تعالى. فاجتمع القاضي بالمعتمد وأخبره بما جرى، فوافقهم على أنه مصلحة وقال له تمضي إليه بنفسك، فامتنع فألزمه بذلك، فقال: أستخير الله سبحانه، وخرج من عنده، وكتب للوقت كتاباً إلى يوسف بن تاشفين يخبره بصورة الحال، وسيرة مع بعض عبيده إليه، فلما وصله خرج مسرعاً إلى المدينة سبتة، وحتى خرج القاضي ومعه جماعة إلى سبتة للقائه وإعلامه بحال المسلمين فأمر بعبور عسكره إلى الجزيرة الخضراء، وهي مدينة في بر الأندلس، وأقام بسبتة، وهي في بر مراكش مقابلة الجزيرة الخضراء، وسر إلى مراكش يستدعي من تخلف بها من جيشه، فلما تكاملوا عنده أمرهم بالعبور، وعبر آخرهم وهو في عشرة آلاف مقاتل، واجتمع بالمعتمد وقد جمع أيضاً عساكره، وتسامع المسلمون بذلك، فخرجوا من كل البلاد طلباً للجهاد، وبلغ الأذفونش الخبر وهو بطليطلة، فرج في أربعين ألف فارس غير ما انضم إليه، وكتب الأذفونش إلى الأمير يوسف كتاباً يتهدده، وأطال الكتاب، فكتب يوسف الجواب في ظهره: "الذي يكون ستراه" ورده إليه. فلما وقف عليه ارتاع لذلك وقال: هذا رجل عازم.


ثم سار الجيشان والتقيا في مكان يقال له الزلاقة من بلد بطليوس وتصافا، وانتصر المسلمون وهرب الأذفونش بعد استئصال عساكره ولم يسلم معه سوى نفر يسير، وذلك يوم الجمعة في العشر الأول من شهر رمضان المعظم سنة تسع وسبعين وأربعمائة، كذا قال بعضهم، والصحيح أن هذه الوقعة كانت في منتصف رجب من السنة المذكورة، وهذا يؤرخ به في بلاد الأندلس كلها فيقال عام الزلاقة، وهذه الواقعة من أشهر الوقائع. وثبت المعتمد في ذلك اليوم ثباتاً عظيماً، وأصابه عدة جراحات في وجهه وبدنه، وشهد له بالشجاعة، وغنم المسمون دوابهم وسلاحهم، ورجع الأمير يوسف إلى بلاده والمعتمد إلى بلاده. ثم إن الأمير يوسف عاد إلى الأندلس في العام الثاني وخرج إليه المعتمد، وحاصرا بعض حصون الفرنج، فلم يقدرا عليه، فرحلا عنه وعبر يوسف على غرناطة، فخرج إليه صاحبها عبد الله بن بلكين ثم دخل البلد ليخرج إليه التقادم، فغدر به يوسف ودخل البلد وأخرج عبد الله ودخل قصره فوجد فيه من الأموال والذخائر ما لا يحد ولا يحصى. ثم رجع إلى مراكش وقد أعجبه حسن بلاد الأندلس وبهجتها وما بها من المباني والبساتين والمطاعم وسائر أصناف الأموال التي لا توجد في مراكش، فإنها بلاد بربر وأجلاف العربان وجعل خواص الأمير يوسف يعظمون عنده بلاد الأندلس ويحسنون له أخذا، ويغرون قلبه على المعتمد بأشياء نقلوها عنه فتغير عليه وقصده، فلما انتهى إلى سبتة جهز إليه العساكر وقدم عليها سير بن أبي بكر الأندلسي، فوصل إلى إشبيلية وبها المعتمد فحاصره أشد محاصرة، وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله، والناس بالبلد قد استولى عليهم الفزع وخامرهم الجزع يقطعون سبلها سياحة ويخوضون نهرها سباحة ويترامون من شرفات الأسوار. فلما كان يوم الأحد العشرين من رجب سنة أربع وثمانين وأربعمائة هجم عسكر الأمير يوسف البلد وشنوا فيه بالغارات، ولم يتركوا لأحد شيئاً، وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأيديهم، وقبض على المعتمد وأهله، وكان قد قتل له ولدان قبل ذلك، أحدهما: المأمون، وكان ينوب عن والده في قرطبة فحصروه بها إلى أن أخذوه وقتلوه والثاني الراضي، كان أيضاً نائباً عن أبيه في رندة وهي من الحصون المنيعة فنازلوها وأخذوها وقتلوا الراضي، ولأبيهما المعتمد فيهما مرات كثيرة.


وبعد ذلك جرى إشبيلية على المعتمد ما ذكرناه. ولما أخذ المعتمد قيدوه من ساعته، وجعل مع أهله في سفينة، قال ابن خاقان في "قلائد العقيان" في هذا الموضع: ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت، وضمتهم كأنهم أموات، بعد ما ضاق عنهم القصر، وراق منهم العصر، والناس قد حشروا بضفتي الوادي، يبكون بدموع الغوادي، فساروا والنوح يحدوهم، والبوح باللوعة لا يعدوهم، وفي ذلك يقول أبو بكر محمد بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانة:

تبكي السماء بدمع رائح غادي

 

على البهاليل من أنباء عبـاد

 

ومن جملتها:

يا ضيف أفقر بيت المكرمات فخذ

 

في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد

 

وهي قصيدة طويلة لا حاجة إلى ذكرها. وفي هذه الحال وصفتها يقول أبو محمد عبد الجبار بن حمديس الصقلي الشار المشهور- المقدم ذكره:

ولما رحلتم بالندى في أكفكم

 

وقلقل رضوى منكم وثبـير

رفعت لساني بالقيامة قد دنت

 

فهذي الجبال الراسيات تسير

 

وهي أبيات كثيرة، وهذا المعنى مأخوذ من قول عبد الله بن المعتز في أبي العباس أحمد بن محمد الفرات الوزير وقد مات:

قد استوى الناس ومات الكـمـال

 

وصاح صرف الدهر أين الرجال

هذا أبو العباس فـي نـعـشـه

 

قوموا انظروا كيف تسير الجبال

وقيل إنه أنشدها لما مات الوزير أبو القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب، والله أعلم بالصواب، ثم وجدت القول الثاني هو الصحيح، والله أعلم.


وتألم المعتمد يوماً من قيده وضيقه وثقله فأنشد:

تبدلت من ظل عز البنـود

 

بذل الحديد وثقل الـقـيود

وكان حديدي سناناً ذلـيقـاً

 

وعضباً رقيقاً صقيل الحديد

وقد صار ذاك وذا أدهمـا

 

يعض بساقي عض الأسود

ثم إنهم حملوا إلى الأمير يوسف بمراكش، فأمر بإرسال المعتمد إلى مدينة أغمات، واعتقله بها ولم يخرج منها على الممات، قال ابن خاقان: ولما أجلي عن بلاده، وأعري من طارفه وتلاده، وحمل في السفين، وأحل في العدوة محل الدفين، تندبه منابره وأعواده، ولا يدنو منه زواره ولا عواده، بقي آسفاً تتصعد زفراته، وتطرد اطراد المذانب عبراته، ولا يخلو بمؤانس، ولا يرى إلا عريناً بدلاً من تلك المكانس، ولما لم يجد سلواً ولم يؤمل دنواً ولم ير وجه مسرة مجلواً، تذكر منازله فشاقته، وتصور بهجتها فراقته، وتخيل استيحاش أوطانه، وإجهاش قصره إلى قطانة، وإظلام جوه من أقماره، وخلوه من حراسة سماره. وفي اعتقاله يقول أبو بكر الداني المذكور قصيدته المشهورة التي أولها:  

لكل شيء من الأشـياء مـيقـات

 

وللمنى من منـياهـن غـاديات

والدهر في صبغة الحرباء منغمسٌ

 

ألوان حالاته فيها اسـتـحـالات

ونحن من لعب الشطرنج فـي يده

 

وربما قمرت بالبـيدق الـشـاة

 

قلت: هذا غلط، فإن الشاة بالهاء الملك بالعجمي، وإذا كان كذلك فلا تسلم القافية، لأنها على حرف التاء، ثم قال:

انفض يديك من الدنيا وساكـنـهـا

 

فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا

وقل لعالمها الأراضي: قد كتـمـت

 

سريرة العالم العلـوي أغـمـات

 

وهي طويلة تقارب خمسين بيتاً.


وله أيضاً في حبسه قصيدة عملها بأغمات، سنة ست وثمانين وأربعمائة:

تنشق رياحين السـلام فـإنـمـا

 

أقض بها ممسكاً عليك مختـمـا

وقل لي مجازاً إن عدمت حقـيقةً

 

لعلك في نعمى وقد كنت منعمـا

أفكر في عصرٍ مضى لك مشرقا

 

فيرجع ضوء الصبح عندي مظلما

وأعحب من أفق المجـرة إذ رأى

 

كسوفك شمساً كيف أطلع أنجمـا

لئن عظمت فيك الـرزية إنـنـا

 

وجدناك منها في المزية أعظمـا

قناة سعت للطعن حتى تقصـدت

 

وسيفٌ أطال الضرب حتى تثلمـا

 

ومنها:

بكى آل عـبـاد ولا كـمـحـمـد

 

وأبنائه صوب الغمامة إذا هـمـى

حبيبٌ إلى قلبي، حبـيبٌ لـقـولـه

 

عسى طلل يدنو بهم ولـعـلـمـا

صباحهم كنا بهم نحـمـد الـسـرى

 

فلما عدمناهم سرينا على عـمـى

وكنا رعينا العز حـول حـمـاهـم

 

فقد أجدب المرعى وقد أقفر الحمى

وقد ألبست أيدي الليالي محـلـهـم

 

مناسج سدى الغيث فيها وألحـمـا

قصورٌ خلت من ساكنيها فما بـهـا

 

سوى الأدم تمشي حول واقعة الدمى

يجيب بها الهام الصدى ولطـالـمـا

 

أجاب القيان الطائر المـتـرنـمـا

كأن لم يكن فيها أنيس ولا التـقـى

 

بها الوفد جمعاً والخميس عرمرمـا

 

ومنها:

حكيت وقد فارقت ملكك مـالـكـا

 

ومن ولهي أحكي عليك متـمـمـا

مصاب هوى بالنيرات من الـعـلا

 

ولم يبق في أرض المكارم معلمـا

تضيق علي الأرض حتى كـأنـمـا

 

خلقت وإياها سواراً ومعـصـمـا

ندبتك حتى لـم يخـل لـي الأسـى

 

دموعاً بها أبكي عـلـيك ولا دمـا

وإني على رسمي مقيمٌ فـإن أمـت

 

سأجعل للباكين رسمي مـوسـمـا

بكاك الحيا والريح شقت جـيوبـهـا

 

عليك، وناح الرعد باسمك معلـمـا

ومزق ثوب البرق واكتست الضحى

 

حداداً، وقامت أنجم الجو مـأتـمـا

وحار ابنك الإصباح وجداً فما اهتدى

 

وغاض أخوك البحر غيضاً فما طما

وما حل بدر الـتـم بـعـدك دارةً

 

ولا أظهرت شمس الظهيرة مبسما

قضى الله أن حطوك عن ظهر أشقرٍ

 

أشم وأن أمطـوك أشـأم أدهـمـا

 

وكان قد انفكت عنه القيود فأشار إلى ذلك بقوله منها:

قيودك ذابت فانطلقت لقـد غـدت

 

قيودك منهم بالمكـارم أرحـمـا

عجبت لأن لان الحديد وقد قسـوا

 

لقد كان منهم بالسريرة أعلـمـا

سينجيك من نجى من الجب يوسفا

 

ويؤويك من آوى المسيح بن مريما

 

وله في البكاء على أيامهم وانتثار نظامهم عدة مقاطيع وقصائد مطولات يشتمل عليها جزء لطيف صدر عنه في صورة تأليف وهيئة تصنيف سماه "نظم السلوك في وعظ الملوك". ووفد على المعتمد وهو بأغمات وفادة وفاء، لا وفادة السلوك استجداء، وحكى أنه لما عزم على الانفصال عنه بعث إليه المعتمد عشرين ديناراً وشقة بغدادية، وكتب معها:

إليك النزر من كف الأسير

 

فإن تقبل يكن عين الشكور

تقبل ما يذوب لـه حـياء

 

وإن عذرته أحوال الفقير

 

وهي عدة أبيات، قال أبو بكر المذكور: فرددتها إليه، لعلمي بحاله وأنه لم يترك عنده شيئاً، وكتبت إليه جوابها، وهو:

سقطت من الوفاء على خبير

 

فذرني والذي لك في ضمير

تركت هواك وهو شقيق نفسي

 

لئن شقت برودي عن غـدور

ولا كنت الطليق من الـرزايا

 

لئن أصبحت أجحف بالأسـير

جذيمة أنت والزباء خـانـت

 

وما أنا من يقصر عن قصير

أسير ولا أسير إلى اغتـنـام

 

معاذ الله من سوء المصـير

أنا أدري بفضلك منـك، إنـي

 

لبست الظل منه في الحرور

 

ومنها أيضاً قوله:

تصرف في الندى خيل المعالي

 

فتسمح من قليل بالـكـثـير

وأعجب منك أنك فـي ظـلام

 

وترفع للعفاة مـنـار نـور

رويدك سوف توسعني سروراً

 

إذا عاد ارتقاؤك لـلـسـرير

وسوف تحلني رتب المعالـي

 

غداة تحل في تلك القصـور

تزيد على ابن مروان عطـاءً

 

بها وأزيد ثم عـلـى جـرير

تأهب أن تعود إلـى طـلـوعٍ

 

فليس الخسف ملتزم البـدور

 

ودخل عليه يوماً بناته السجن، وكان يوم عيد، وكن يغزلن للناس بالأجرة في أغمات، حتى إن إحداهن غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه، فرآهن في أطمار رثة وحاله سيئة، فصدعن قلبه وأنشد:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا

 

فساءك العيد في أغمات مأسور

نرى بناتك في الأطمار جـائعةً

 

يغزلن للناس لا يملكن قطمـيرا

برزن نحوك للتسلـيم خـاشـعةً

 

أبصارهن حسيراتٍ مكـاسـيرا

يطأن في الطين والأقدام حافـيةٌ

 

كأنها لم تطأ مسكاً وكـافـورا

 

ومنها أيضاً:

لا خد إلا ويشكو الجدب ظاهره

 

وليس إلا مع الأنفاس مطمورا

قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً

 

فردك الدهر منهياً ومأمـورا

من بات بعدك في ملك يسر به

 

فإنما بات بالأحلام مغـرورا

 

ودخل عليه وهو في تلك الحال ولده أبو هاشم والقيود قد عضت بساقيه عض الأسود، والتوت عليه التواء الأساود السود، وهو لا يطيق إعمال قدم، ولا يريق دمعاً إلا ممتزجاً بدم، بعد ما عهد نفسه فوق منبر وسرير، وفي وسط جنة وحرير، تخفق عليه الألوية، وتشرق منه الأندية، فلما رآه بكى وعمل:

قيدي أما تعلمني مسلـمـا

 

أبيت أن تشفق أو ترحمـا

دمي شرابٌ لك، واللحم قد

 

أكلته، لا تهشم الأعظمـا

يبصرني فيك أبو هـاشـمٍ

 

فينثني والقلب قد هشـمـا

ارحم طفيلاً طائشاً لـبـه

 

لم يخش أن يأتيك مسترحما

وارحم أخياتٍ له مـثـلـه

 

جزعتهن السم والعلقـمـا

منهن من يفهم شيئاً فـقـد

 

خفنا عليه للبكاء العـمـى

والغير لا يفهم شيئاً فـمـا

 

يفتح إلا لرضـاعٍ فـمـا

 

وكان قد اجتمع عنده جماعة من الشعراء وألحوا عليه في السؤل، وهو على تلك الحال، فأنشد:

سألوا اليسير من الأسير وإنـه

 

بسؤالهم لأحق منهم فاعجـب

لولا الحياء وعـزةٌ لـخـمـيةٌ

 

طي الحشا لحكاهم في المطلب

 

وأشعار المعتمد وأشعار الناس فيه كثيرة، وقد جاوزنا الحد في تطويل ترجمته، وسببه أن قضيته غريبة لم يعهد مثلها، ودخل فيها حديث أبيه وجده فطالت.


وكانت ولادته في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة بمدينة باجة من بلاد الأندلس، وملك بعد وفاة أبيه في التاريخ المذكور هناك، وخلع في التاريخ المقدم ذكره. وتوفي في السجن بأغمات لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال، وقيل في ذي الحجة، سنة ثمان وثمانين وأربعمائة رحمه الله تعالى؛ ومن النادر الغريب أنه نودي في جنازته بالصلاة على الغريب، بعد عظم سلطانه وجلالة شانه، فتبارك من له البقاء والعزة والكبرياء. واجتمع عند قبره جماعة من الشعراء الذي كانوا يقصدونه بالمدائح، ويجزل لهم المنائح، فرثوه بقصائد مطولات، وأنشدوها عند قبره وبكوا عليه، فمنهم أبو بحر عبد الصمد شاعره المختص به، رثاه بقصيدة طويلة أجاد فيها، وأولها:

ملك المولك، أسامع فـأنـادي

 

أم قد عدتك عن السماع عوادي

لما نقلت عن القصور ولم تكن

 

فيها كما قد كنت في الأعـياد

أقبلت في هذا الثرى لك خاضعاً

 

وجعلت قبرك موضع الإنشـاد

 

ولما فرغ من إنشادها قبل الثرى، ومرغ جسمه وعفر خده، فأبكى كل من حضر.


ويحكى أن رجلاً رأى في منامه إثر الكائنة عليه كأن رجلاً صعد منبر جامع قرطبة واستقبل الناس وأنشد:

رب ركبٍ قد أناخوا عيسهم

 

في ذرى مجدهم حين بسق

سكت الدهر زماناً عنـهـم

 

ثم أبكاهم دماً حين نطـق

 

ورأى أبو بكر الداني حفيد المعتمد وهو غلام وسيم قد اتخذ الصياغة صناعة وكان يلقب في أيام دولتهم "فخر الدولة" وهو من الألقاب السلطانية عندهم، فنطر إليه وهو ينفخ الفحم بقصبة الصائغ، فقال من جملة قصيدة:

شكاتنا فيك يا فخر العلا عـظـمـت

 

والرزء يعظم فيمن قدره عظـمـا

طوقت من نائبات الدهر مـخـنـقة

 

ضاقت عليك وكم طوقتنا نـعـمـا

وعاد طوقـك فـي دكـان قـارعةٍ

 

من بعدما كنت في قصر حكى إرما

صرفت في آلة الـصـواغ أنـمـلةً

 

لم تدر إلا الندى والسيف والقلـمـا

يد عهدتك للتقبـيل تـبـسـطـهـا

 

فتستقل الثـريا أن تـكـون فـمـا

يا صائغاً كانت العلـيا تـصـاغ لـه

 

حلياً وكان عليه الحلي منتـظـمـا

للنفخ في الصور هولٌ، ما حكاه سوى

 

أني رأيتك فيه تنفـخ الـفـحـمـا

وددت إذا نظرت عيني عـلـيك بـه

 

لو أن عيني تشكو قبل ذاك عـمـى

ما حطك الدهر لما حط من شـرفٍ

 

ولا تحيف من أخلاقك الـكـرمـا

لح في العلا كوكباً إن لم تلح قـمـرا

 

وقم بها ربوةً إن لم تقـم عـلـمـا

والله لو أنصفتك الشهب لانكسـفـت

 

ولو وفى لك دمع العين لانسجـمـا

أبكى حديثك حتى الدهر حـيد غـدا

 

يحكيك رهطاً وألفاظاً ومبتـسـمـا

 

ولا حاجة إلى الزيادة على ما اودعناه هذه الترجمة.


واللورقي: بضم اللام وسكون الواو والراء وبعدها قاف، هذه النسبة إلى الورقة، وهي مدينة بالأندلس، وهذا الشاعر ذكره في "الخريدة" وقال: عاش بعد الخمسمائة طويلاً، واورد كثيراً من شعره.


وأغمات: بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وفتح الميم وبعد الألف تاء مثناة من فوقها، وهي بليدة وراء مراكش، بينهما مسافة يوم، وخرج منهما جماعة مشاهيرا.


واما أبو بكر بن اللبابة المذكور فما رأيت تاريخ وفاته في شيء من الكتب ولا رأيت من يعلم ذلك، لكن رأيت في كتاب الحماسة التي صنفها أبو الحجاج يوسف البياسي المذكور بعد هذا أن ابن اللبابة قدم ميورقة في آخر شعبان سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ومدح ملكها مبشر بن سليمان بأبيات أولها:

ملك يروعك في حلى ريعانه

 

راقت برونقه صفات زمانه

وكنت أظن انه مات قبل المعتمد، لأني ما رأيت له فيه مرثية، إلى أن رأيت ما قاله البياسي، والله تعالى أعلم