ألب أرسلان

أبو شجاع محمد بن جعفري بك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، الملقب عضد الدولة ألب أرسلان، وهو ابن أخي السلطان طغرلبك - المقدم ذكره - وقد تقدم في ترجمة طغرلبك طرف من أخبار والده داود المذكور.

ولما مات السلطان طغرلبك - في التاريخ المذكور في ترجمته - نص على تولية المر لسليمان بن داود أخي ألب أرسلان المذكور، ولم ينص عليه إلا لأن أمه كانت عنده فتبع هواها في ولدها، فقام سليمان بالأمر وثار عليه أخوه ألب أرسلان وعمه شهاب الدولة قتلمش، وجرت بينهم خطوب فلم يتم لسليمان الأمر، وكانت النصرة لأخيه ألب أرسلان.

فاستولى على الممالك، وعظمت مملكته ورهبت سطوته، وفتح من البلاد ما لم يكن لعمه طغرلبك مع سعة ملكك عمه، وقصد بلاد الشام فانتهى إلى مدينة حلب وصاحبها يومئذ محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الكلابي، فحاصره مدة ثم جرت المصالحة بينهما، فقال ألب أرسلان: لا بد من دوس بساطي، فخرج إليه محمود ليلاً ومعه أمه، فتلقاهما بالجميل وخلع عليهما وأعادهما إلى البلد ورحل عنها.

وقال المأموني في تاريخه: قيل إنه لم يعبر الفرات في قديم الزمان ولا حديثه في الإسلام ملك تركي قبل ألب أرسلان، فإنه أول من عبرها من ملوك الترك. ولما عاد عزم على قصد بلاد الترك، وقد كمل عسكره مائتي ألف فارس أو يزيدون، فمد عللا جيحون- النهر المقدم ذكره - جسراً وأقام العسكر يعبر عليه شهراً، وعبر هو بنفسه أيضاً، ود السماط في بليدة يقال لها "فربر" ولتلك البليدة حصن على شاطئ جيحون، في السادس من شهر ربيع الأول، سنة خمس وستين وأربعمائة، فأحضر إليه أصحابه مستحفظ الحص، ويقال له يوسف الخوارزمي، وكان قد ارتكب جريمة في أمر الحصن، فحمل إليه مقيداً، فلما قرب منه أمر أن تضرب أربعة أوتاد لتشد أطرافه الأربعة إليها ويعذبه ثم يقتله، فقال يوسف المذكور: ومثلي يفعل به هذه المثلة؟ فغضب ألب أرسلان وأخذ قوسه وجعل فيها سهماً، وأمر بحل قيده ورماه فأخطأه وكان مدلاً برميه، وكان جالساً على سريره، فنزل عنه فعثر ووقع على وجهه، فبادر يوسف المذكور وضربه بسكين كانت معه في خاصرته، فوثب عليه فراش أرمني فضربه في رأسه بمزربة فقتله، فانتقل ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحاً، فأحضر وزيره نظام الملك أبا علي الحسن- المذكور في حرف الحاء - وأوصى به إليه، وجعل ولده ملك شاه ولي عهده- وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

ثم توفي يوم السبت عاشر الشهر المذكور، وكانت ولادته سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وكانت مدة ملكه تسع سنين وأشهراً، ونقل إلى مرو ودفن عند قبر أبيه داود وعمه طغرلبك، ولم يدخل بغداد ولا رآها، مع أنها كانت داخلة في ملكه، وهو الذي بنى على قبر الإمام أبي حنيفة مشهداً، ووبنى ببغداد مدرسة أنفق عليها أمولاً عظيمة؛ وذكر في كتاب "زبدة التواريخ" أنه جرح يوم السبت، سلخ شهر ربيع الأول سنة خمس وستين، وعاش بعد الجراحة ثلاثة أيام، والله أعلم.

وقد تقدم ذكر أبيه، وانه كان صاحب بلخ، وتوفي بها في رجب سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة خمسين وأربعمائة، ونقل إلى مرو ودفن بها، وقيل إنه توفي بمرو، والله أعلم بالصواب، وقيل توفي في صفر سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، ودفن بمدرسة مرو، رحمه الله تعالى.
وقد تقدم ذكر ولده تتش في حرف التاء.

وألب أرسلان: بفتح الهمزة وسكون اللام وبعدها ياء موحدة، وبقية الاسم معروفة فلا حاجة إلى تفسيرها، وهو اسم تركي معناه شجاع أسد، فألب شجاع، وأرسلان أسد.

وأما شهاب الدولة قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق، فإنه والد سليمان ابن قتلمش جد الملوك أصحاب الروم إلى الآن، وكان له حصون وقلاع من جملتها كردوكه وغيرها من عراق العجم، وعصى على ابن أخيه ألب أرسلان المذكور وحاربه بالقرب من الري، فلما انجلى الأمر وجد قتلمش ميتاً لا يدري كيف كان موته، وذلك في المحرم من سنة ست وخمسين وأربعمائة، قيل إنه مات من الخوف، فشق ذلك على ألب أرسلان، والله تعالى أعلم بالصواب.