ظهير الدين الروذراوري

أبو شجاع محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، الملقب ظهير الدين، الروذراوري الأصل الأهوازي المولد؛ قرأ الفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وقرأ الأدب، وولي الوزارة للإمام المقتدي بأمر الله بعد عزل عميد الدولة أبي منصور ابن جهير المذكور قبله في ترجمة أبيه فخر الدولة، وذلك في سنة ست وسبعين وأربعمائة، وعزل عنها يوم الخميس تاسع عشر صفر سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وأعيد ابن جهير. ولما قرأ أبو شجاع التوقيع بعزله أنشد:

تولاها وليس لـه عـدو

 

وفارقها وليس له صديق

 

وخرج بع عزله ماشياً يوم الجمعة من داره إلى الجامع، وانثالت عليه العامة تصافحه وتدعوا له، وكان ذلك سبباً لإلزامه بالقعود في داره، ثم خرج إلى روذراور وهي موطنه قديماً، فأقام هناك مدة، ثم خرج إلى الحج في الموسم سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وخرجت العرب على الركب الذي هو فيه بقرب الربذة، فلم يسلم من الرفقة سواه، وجاور بعد الحج بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن توفي في النصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، ودفن بالبقيع عند القبة التي فيها قبر إبراهيم عليه السلام ابن رسول الله صلى الله عليع وسلم؛ وكانت ولادته سنة سبع وثلاثين وأربعمائة رحمه الله تعالى.


قال العماد الكاتب في "الخريدة" في حقه: وكان عصره أحسن العصور، وزمانه أنضر الأ زمان، ولم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدين وقانون الشريعة مثله، صعباً شديداً في أمور الشرع، سهلاً في أمور الدنيا، لا تأخذه في الله لومة لائم.


ثم قال: ذكره ابن الهمذاني في "الذيل" فقال: كانت أيامه أوفى الأيام سعادة للدولتين، وأعظمها بركة على الرعية، وأعمها أمناً وأشملها رخصاً وأكملها صحة، لم يغادها بؤس ولم تشبها مخافة، وقامت للخلافة في نظره من الحشمة والإحترام، ما أعادت سالف الأيام، وكان أحسن الناس خطاً ولفظاً.


وذكره الحافظ ابن السمعاني في "الذيل" فقال: كان يرجع إلى فضل كامل وعقل وافر ورزانة ورأي صائب، وكان له شعر رقيق مطبوع، أدركته حرفة الأدب، وصرف عن الوزارة وكلف لزوم البيت، فانتقل من بغداد إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام إلى حين وفاته، وزرت قبره غير مرة عند قبر إبراهيم ابن نبينا، صلى الله عليه وسلم، بالبقيع؛ ثم قال السمعاني بعد ذلك: سمعت من أثق به يقول إن الوزير أبا شجاع وقت أن قرب أمره وحان ارتحاله من الدنيا حمل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف عند الحظيرة وبكى وقال: يا رسول الله، قال الله سبحانه وتعالى: "ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً" النساء: -14- ولقد جئتك معترفاً بذنوبي وجرائمي أرجو شفاعتك، وبكى ورجع وتوفي من يومه.
وله شعر حسن مجموع في ديوان، فمن ذلك قوله:

لأعذبن العين غير مـفـكـر

 

فيها بكت بالدمع أو فاضت دما

ولأهجرن من الـرقـاد لـذيذه

 

حتى يعود على الجفون محرما

هي أوقعتني في حبائل فـتـنة

 

لو لم تكن نظرت لكنت مسلما

سفكت دمي لأسفكن دموعهـا

 

وهي التي بدأت فكانت أظلما

 

وإلى هذا المعنى ينظر قول بعضهم:

يا عين ما ظلم الفؤاد

 

ولا تعدى في الصنيع

جرعته مر الـهـوى

 

فمحا سوادك بالدموع

 

وله أيضاً:

وإني لأبدي في هواك تجلـداً

 

وفي القلب مني لوعة وغليل

فلا تحسبي أني سلوت فربمـا

 

ترى صحة بالمرء وهو عليل

 

وله أيضاً:

أيذهب جل العمر بيني وبينـكـم

 

بغـير لـقـاء؟ إن ذا لـشـديد

فإن يسمح الدهر الخؤون بوصلكم

 

على فاقتي إني إذاً لـسـعـيد

وعمل ذيلاً على كتاب "تجارب الأمم"، تأليف أبي علي أحمد بن محمد المعروف بمسكويه، وهو التاريخ المشهور بأيدي الناس.

وقال محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه: وظهر منه من التلبس في الدين وإظهاره وإعزاز أهله والرأفة بهم والأخذ على أيدي الظلمة ما أذكر به عدل العادلين؛ وكان لا يخرج من بيته حتى يكتب شيئاً من القرآن العظيم ويقرأ في المصحف ما تيسر. وكان يؤدي زكاة أمواله الظاهرة في سائر أملاكه وضياعه واقطاعه ويتصدق سراً. وعرضت عليه رقعة فيها: إن الدار الفلانية بدرب القيار، فيها إمراة معها أربعة أيتام وهو عراة جياع، فاستدعى صاحباً له وقال له: مر واكسهم وأشبعهم، وخلع أثوابه وحلف: لا لبستها ولا دفئت حتى تعود إلي وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم. ولم يزل يرعد إلى أن جاء صاحبه وأخبره بذلك؛ وكانت له مبار كثيرة.

والروذراوري: بضم الراء وسكون الواو والذال المعجمة وفتح الراء والواو بينهما ألف في آخرها راء أخرى، هذه النسبة على روذراور، وهي بليدة بنواحي همذان، والله تعالى أعلم.