غياث الدين السلجوقي

أبو الفتح مسعود بن محمد بم ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، الملقب غياث الدين، أحد ملوك السلجوقية المشاهير وقد تقدم ذكر والده وأخيه محمود وجماعة من أهل بيته.

كان مسعود المذكور قد سلمه والده في سنة خمس وخمسمائة إلى الأمير مودود ابن التوتكين وجعله صاحب الموصل ليربيه، فلما قتل مودود في سنة سبع وخمسمائة وتولى الأمير آق سنقر البرسقي - المذكور في حرف الهمزة - مكانه سلمه والده إليه أيضاً، ثم أرسله من بعده إلى جيوش بك أتابك الموصل أيضاً.

فلما توفي والده وتولى موضعه ولده محمود - المقدم ذكره - أخذ جيوش بك يحسن لمسعود المذكور الخروج على أخيه محمود وأطعمه في السلطنة، ولم يزل على ذلك حتى جمع العساكر واستكثر منها، وقصد أخاه، والتقيا بالقرب من همذان في ربيع الأول سنة أربع عشرة وخمسمائة، وكان النصر لمحمود، وقتل في هذه الواقعة الأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي - وقد سبق شيء من خبره في حرف الحاء.

ثم انتقلت الأحوال وتقلبت بمسعود المذكور واستقل بالسلطنة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ودخل بغداد، واستوزر شرف الدين أنو شروان بن خالد القاشاني الذي كان وزير المسترشد، وقد تقدم ذكره في ترجمة الحريري صاحب المقامات؛ وكان سلطاناً عادلاً لين الجانب كبير النفس، فرق مملكته على أصحابه، ولم يكن له من السلطنة غير الاسم، وكان حسن الأخلاق كثير المزاح والانبساط مع الناس، فمن ذلك أن أتابك زنكي صاحب الموصل أرسل إليه القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري في رسالة، فوصل إليه وأقام معه في العسكر، فوقف يوماً على خيمة الوزير حتى قارب أذان امغرب فعاد إلى خيمته وأذن المغرب وهو في الطريق، فرأى إنساناً فقيهاً في خيمة، فنزل إليه فصلى معه، فسأله كمال الدين من أين هو؟ فقال: أنا قاضي مدنية كذا، فقال له كمال الدين: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وهو أنا وأنت، وقاض في الجنة وهو من لا يعرف أبواب هؤلاء الظلمة ولا يراهم. فلما كان من الغد أرسل السلطان وأحضر كمال الدين، فلما دخل عليه ورآه ضحك وقال: القضاة ثلاثة، فقال كمال الدين: نعم يا مولانا، فقال: والله صدقت، ما أسعد من لا يرانا ولا نراه، ثم أمر به فقضيت حاجته وأعاده من يومه.

ومن ذلك أنه اجتاز يوماً في بعض أطراف بغداد فسمع امرأة تقول لأخرى: تعالي انظري إلى السلطان، فوقف وقال: يقف حتى تجيء هذه الست تنظر إلينا وله مناقب كثيرة وكان مع لين جانبه ما ناوأه أحد وظفر به، وقتل من الأمراء الأكابر خلقاً كثيراً، ومن جملة من قتل الخليفتان المسترشد بالله والراشد لأنه كان قد وقع بينه وبين الخليفة المسترشد وحشة قبل استقلاله في السلطنة، فلما استقل استطال نوابه على العراق، وعارضوا الخليفة في أملاكه، فقويت الوحشة بينهما، وتجهز المسترشد وخرج لمحارتبه، وكان السلطان مسعود بهمذان، فجمع جيشاً عظيماً وخرج للقائه، وتصافا بالقرب من همذان فكسر عسكر الخليفة، وأسر هو وأرباب دولته، وأخذه السلطان مسعود مأسوراً وطاف به بلاد أذربيجان، وقتل على باب المراغة، حسبما شرحناه في ترجمة دبيس بن صدقة، وهو الذي خلع الراشد وأقام المقتفي كما هو مشهور.

ثم أقبل مسعود على الاشتغال باللذات والانعكاف على مواصلة وجوه الراحات، متكلاً على السعادة تعمل له ما يؤثره، إلى أن حدث له القيء وعلى الغثيان، واستمر به ذلك إلى أن توفي في حادي عشر جمادى الآخرة، سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وقيل يوم الأربعاء، الثاني والعشرين من الشهر المذكور بهمذان ومات معه سعادة البيت السلجوقي فلم تقم له بعد راية يعتد بها ولا يلتفت إليها:

فما كان قيس هلكه واحد        ولكنه بنيان قوم تهدمـا

ودفن في مدرسة بناها جمال الدين إقبال الخادم.

وقال ابن الأزرق الفارقي في تاريخه: رأيت السلطان المذكور ببغداد، في السنة المذكورة، وسار إلى همذان ومات بباب همذان، وحمل إلى أصبهان رحمه الله تعالى، وقد تقدم شيء من خبره في ترجمة دبيس بن صدقة صاحب الحلة.
ومولده يوم الجمعة، لثلاث خلون من ذي القعدة، سنة اثنتين وخمسمائة.

ولما ولي السلطنة جرت بينه وبين عمه سنجر - المقدم ذكره - منازعة، ثم خطب له بعد عمه المذكور ببغداد، يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وعشرين وخمسمائة والله أعلم.