المستنصر العبيدي

أبو تميم معد الملقب المستنصر بالله بن الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم بن العزيز بن المعز لدين الله المذكور قبله، وقد تقدم بقية النسب؛ بويع بالمر بعد موت والده الظاهر، وذلك يوم الأحد النصف من شعبان سنة سبع وشعرين وأربعمائة، وجرى على أيامه ما لم يجر على أيام أحد من أهل بيته ممن تقدمه ولا تأخره: منها قضية أبي الحارث أرسلان البساسيري - المقدم ذكره في حرف الهمزة - فإنه لما عظم أمره، وكبر شأنه ببغداد قطع خطبة الإمام القائم، وخطب للمسنصر المذكور، وذلك في سنة خمسين وأربعمائة، ودعا له منابرها مدة سنة. ومنها أنه ثار في أيامه علي بن محمد الصليحي - المقدم ذكره - وملك بلاد اليمن كما شرحنا، ودعا للمسنصر على منابرها بعد الخطبة، وهو شمهور فلا حاجة إلى الإطالة في شرحه. ومنا أنه أقام في الأمر ستين سنة، وهذا أمر لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من بني العباس. ومنها أنه ولي الأمر وهو ابن سبع سنين. ومنها أن دعوتهم لم تزل قائمة بالمغرب منذ قام جدهم المهدي - المقدم ذكره - إلى أيام المعز المذكور قبله، ولما توجه المعز إلى مصر واستخلف بلكين بن زيري حسبما شرحناه، كانت الخطبة في تلك النواحي جارية على عادتها لهذا البيت، إلى أن قطعها المعز بن باديس - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - في أيام المتسنصر المذكور، وذلك في سنة ثلاث واربعين وأربعمائة، وقال في "تاريخ القيروان": إن ذلك كان في سنة خمس وثلاثين، والله تعالى أعلم بالصواب.

وفي سنة تسع قطع اسمه واسم آبائه من الحرمين الشريفين، وذكر اسم المقتدي خليفة بغداد، والشرح في ذلك يطول. ومنها أنه حدث في أيامه الغلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السلام، وأقام سبع سنين، وأكل الناس بعضهم بعضاً، حتى قيل أنه بيع رغيف واحد بخمسين ديناراً، وكان المتسنصر في هذه الشدة يركب وحده، وكل من معه من الخواص مترجلون ليس لهم دواب يركبونها، وكانوا إذا مشوا تساقطوا في الطرقات من الجوع، وكان المسنصر يستعير من ابن هبة صاحب ديوان الإنشاء بغلته ليركبها صاحب مظلته، وآخر الأمر توجهت أم المستنصر وبناته إلى بغداد من فرط الجوع، وذلك في سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتفرق أهل مصر في البلاد وتشتتوا، ولم يزل هذا الأمر على شدته حنى تحرك بدر الجمالي والد الفضل أمير الجيوش من عكا وركب البحر - حسبما شرحناه في ترجمة ولده الأفضل شاهنشاه - وجاء إلى مصر وتولى تدبير الأمور فانصلحت، وشرح ذلك يطول.

وكانت ولادة المستنصر صبيحة يوم الثلاثاء لثلاث عرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة، وتوفي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقين من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.

قلت: وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير، أعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجة وهو غدير خم - بضم الخاء وتشديد الميم - ورأيت جماعة كثيرة يسألون عن هذه الليلة حتى كانت من ذي الحجة؟ وهذا المكان بين مكة والمدينة، وفيه غدير ماء، ويقال إنه غيضة هناك، ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، شرفها الله تعالى، عام حجة الوداع، وصل إلى هذا المكان وآخى بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: "علي مني كهارون من مسوى، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله"، وللشيعة به تعلق كبير.
وقال الحازمي: هو وادٍ بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير عنده خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحر. وقد تقدم ذكر جماعة من أهل بيته وسيأتي ذكر الباقين كل واح في موضعه إن شاء الله تعالى، والله أعلم بالصواب.