مكي بن أبي طالب

أبو محمد مكي بن أبي طالب بن حموش بن محمد بن مختار القيسي المقرئ؛ أصله من القيروان، وانتقل إلى الأندلس وسكن قرطبة، وهو من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، كان حسن الفهم والخلق جيد الدين والعقل، كثير التواليف في علم القرآن محسناً لذلك، مجوداً للقراءات السبع عالماً بمعانيها.

ولد بالقيروان عند طلوع الشمس أو قبل طلوعها بقليل، لسبع بقين من شعبان سنة خمس وخمسين وثلثمائة، وقال أبو عمرو المقرئ الداني:إنه ولد سنة أربع وخمسين، ونشأ بالقيروان وترعرع، وسافر إلى مصر وهو ابن ثلاث عشرة سنة، واختلف بها إلى المؤدبين والعارفين بعلوم الحساب، ثم رجع إلى القيروان، وكان إكماله لاستظهار القرآن بعد كماله وفراغه من الحساب وغيره من الآداب، وذلك في سنة أربع وسبعين وثلثمائة، ثم عاد إلى مصر ثانية بعد استكماله القراءات بالقيروان وذلك في سنة سبع وسبعين، فحج في تلك السنة حجة الإسلام، ثم ابتدأ بالقراءات على أبي الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي المقرئ نزيل مصر بمصر في أول سنة ثمان وسبعين، فقرأ عليه بقية السنة وبعض سنة تسع، ورجع إلى القيروان وقد بقي عليه بعض القراءات. ثم عاد إلى مصر مرة ثالثة في سنة اثنتين وثمانين، فاستكمل ما بقي له، ثم عاد إلى القيروان في سنة ثلاث وثمانين وأقام بها يقرئ إلى سنة سبع وثمانين، ثم خرج إلى مكة وأقام بها إلى آخر سنة تسعين، وحج أربع حجج متوالية، ثم رجع من مكة سنة إحدى وتسعين، فوصل إلى مصر، ثم رحل منها إلى القيروان في سنة اثنتين وتسعين، ثم ارتحل إلى الأندلس وقدمها في رجب سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة، وجلس للأقراء بجامع قرطبة، فانتفع به خلق كثير وجودوا عليه القرآن، وعظم اسمه في البلد وجل فيها قدره، ونزل عند دخوله قرطبة في مسجد النخيلة الذي بالزقاقين عند باب العطارين، فأقرأ به، ثم نقله المظفر عبد الملك بن أبي عامر إلى جامع الزاهرة، وأقرأ فيه حتى انصرمت دولة آل عامر، فنقله محمد بن هشام المهدي إلى المسجد الخارج بقرطبة، وأقرأ فيه مدة الفتنة كلها إلى أن قلده أبو الحسن ابن جهور الصلاة والخطبة بالمسجد بعد وفاة يونس بن عبد الله، وكان ضعيفاً عليها على أدبه وفهمه، وأقام في الخطابة إلى أن مات، رحمه الله تعالى.

وكان خيراً فاضلاً متواضعاً متديناً مشهوراً بإجابة الدعاء، وله في ذلك أخبار، فمن ذلك ما حكاه أبو عبد الله الطرفي المقرئ قال: كان عندنا بقرطبة رجل فيه بعض الحدة، وكان له على الشيخ أبي محمد المذكور تسلط، وكان يدنو منه إذا خطب فيغمره ويحصي عليه سقطاته، وكان الشيخ كثيراً ما يتلعثم ويتوقف، فحضر ذلك الرجل في بعض الجمع، وجعل يحد النظر إلى الشيخ ويغمزه، فلما خرج معنا ونزل في الموضع الذي كان يقرأ فيه قال لنا: أمنوا على دعائي، ثم رفع يديه وقال: اللهم اكفنيه، اللهم اكفنيه، فأمنا، قال: فأقعد ذلك الرجل، وما دخل الجامع بعد ذلك اليوم.

وله تصانيف كثيرة نافعة فمنها: "الهداية إلى بلوغ النهاية" في معاني القرآن الكريم وتفسيره وأنواع علومه، وهو سبعون جزءاً، و"منتخب الحجة" لأبي علي الفارسي، ثلاثون جزءاُ، وكتاب "التبصر في القراءات" في خمسة أجزاء، وهو من أشهر تواليفه، و"الموجز في القرءات" جزءان، وكتاب "المأثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره" عشر أجزاء، وكتاب "الرعاية لتجود القراءة" أربعة أجزاء، وكتاب "اختصار أحكام القرآن" أربعة اجزاء، وكتاب "الكشوف عن وجوه القرءات وعللها" عشرون جزءاً، وكتاب "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ثلاثة أجزاء، وكتاب "الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه" جزء، وكتاب "الزاهي في اللمع الدالة على مستعملات الإعراب" أربعة أجزاء، وكتاب "التنبيه على أصول قراءة نافع وذكر الاختلاف عنه" جزاءان، وكتاب "الانتصاف، فيما رده على أبي بكر الأدفوي وزعم أنه غلط في كتاب الإبانة" ثلاثة أجزاء، وكتاب "الرسالة إلى أصحاب الأنطاكي في تصحيح المد لورش" ثلاثة أجزاء، وكتاب "الإبانة عن معاني القراءة" جزء، وكتاب "الوقف على كلا وبلى في القرآن" جزءان، وكتاب "الاختلاف في عدد الأعشار" جزء، وكتاب "الإدغام الكبير في المخارج" جزء، وكتاب "بيان الصغائر والكبائر" جزء، وكتاب " الاختلاف في الذبيح من هو"جزء، وكتاب "دخول حروف الجر بعضها مكان بعض" جزء، وكتاب "تنزيه الملائكة عن الذنوب وفضلهم على بني آدم" جزء، وكتاب "الياءات المشددة في القرآن والكلام" جزء، وكتاب "اختلاف العلماء في النفس والروح" جزء، وكتاب "إيجاب الجزاء على قاتل الصيد في الحرم خطأ" على مذهب الإمام مالك، والحجة في ذلك" جزء، وكتاب "مشكل غريب القرآن" ثلاثة أجزاء، وكتاب"فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا" جزء وكتاب "التذكرة لاختلاف القراء" جزء، وكتاب "تسمية الأحزاب" جزء، وكتاب "منخب كتاب الإخوان لابن وكيع" جزءان، وكتاب "الحروف المدغمة" جزءان، وكتاب "شرح التمام والوقف" أربعة أجزاء، وكتاب "مشكل المعاني والتفسير" خمسة عشر جزءاً، وكتاب "هجاء المصاحف" جزءان، وكتاب "الرياض" مجموع خمسة أجزاء، وكتاب "المنتقى في الأخبار" أربعة أجزاء، وله في القراءات واختلاف القراء وعلوم القرآن تصانيف كثيرة، ولولا خوف التطويل لاستوعبت ذكرها.

وتوفي يوم السبت عند صلاة الفجر، ودفن يوم الأحد ضحوة لليلتين خلتا من المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة بقرطبة، ودفن بالربض، وصلى عليه ولده أبو طالب محمد، رحمه الله تعالى.

وحموش: بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم المضمومة وسكون الواو وبعدها شين معجمة.

وقد تقدم الكلام على القيسي والقيروان وقرطبة، فأغنى عن الإعادة.

وأبو الطيب عبد المنعم بن غلبون المقرئ المصري المذكور في هذه الترجمة ذكره الثعالبي في كتاب "اليتيمة" فقال: كان على دينه وفضله وعلمه بالقرآن ومعانيه وإعرابه متفنناً في سائر علوم الأدب، أنشدت له قصيدة منها قوله:

عليك بـاقـلال الـزيارة إنـهـا                 إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا
ألم تر أن الـغـيث يسـأم دائمـاً           ويطلب بالأيدي إذا هو أمسـكـا

وقال غير الثعالبي: ولد أبو الطيب المذكور في رجب سنة تسع وثلثمائة، وتوفي في مصر يوم الجمعة لسبع خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثلثمائة، رحمه الله تعالى.