يحكى عن أبي عطاء السندي الشاعر

المشهور، واسمه مرزوق، وهو من موالي أسد بن خزيمة، أنه كان في لسانه هذه العجمة، فاجتمع حماد الرواية وحماد عجرد الشاعر المقدم ذكرهما وحماد بن الزبرقان النحوي وبكر بن مصعب المزني، في بعض الليالي ليتذاكروا فقالوا: ما بقي شيء إلا وقد تهيأ لنا في مجلسنا هذا، فلو بعثنا إلى أبي عطاء السندي ليحضر عندنا ويكمل به المجلس، فأرسلوا إليه، فقال حماد بن الزبرقان: أيكم يحتال لأبي عطاء حتى يقول: جرادة وزج شيطان؟ وإنما اختار له هذه الألفاظ لأنه كان يبدل من الجيم زاياً ومن الشين سيناً، فقال حماد الراوية: أنا احتال في ذلك، فلم يلبثوا أن جاءهم أبو عطاء فقال لهم: هياكم الله، يريد حياكم الله، فقالوا له: مرهباً مرهبا، يريدون مرحبا مرحبا على لغته، فقالوا له: ألا تتعشى؟ فقال: قد تعسيت، فهل عندكم نبيذ نشرب؟ فقالوا: نعم، فأتوا له بنبيذ فشرب حتى استرخى فقال له حماد الراوية: يا أبا عطاء، كيف معرفتك باللغز؟ فقال: هسن، يريد حسن، فقال له ملغزاً في جرادة:

فما صفراء تكنى أم عوف

 

كان رجيلتيها منـجـلان

فقال: زرادة، فقال: صدقت، ثم قال ملغزاً في زجٍ:

فما اسم حديدةٍ في الرمح ترسي

 

دوين الصدر ليست بالسـنـان

فقال أبو عطاء: زر، فقال حماد: أصبت، ثم قال ملغزاً في مسجد بجوار بني شيطان، وهو بالبصرة:

أتعرف مسجداً لبني تمـيم

 

فويق الميل دون بني أبان

فقال: هو في بني سيطان، فقال: أحسنت، ثم تنادموا وتفاكهوا إلى سحرة في أرغد عيش.

وهذا أبو عطاء من الشعراء المجيدين، وكان عبداً أخرب، والأخرب: المشقوق الأذن، وله في كتاب الحماسة مقاطيع ناردة، ولولا خشية التطويل والخروج عن المقصود لذكرن جملة من شعره ونوادره.

وتوفي مكحول المذكور في سنة ثماني عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل ست عشرة، وقيل اثنتي عشرة، وقيل أربع عشرة ومائة، رضي الله عنه.

وكابل: بفتح الكاف وبعد الألف باء موحدة مضمومة ثم لام، وهي ناحية معروفة ببلاد السند.