أبو فيد مؤرج بن عمرو بن الحارث بن ثور بن حرملة بن علقمة بن عمرو بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة، السدوسي النحوي البصري؛ أخذ العربية عن الخليل بن أحمد، وروى الحديث عن شعبة بن الحجاج وأبي عمرو ابن العلاء وغيرهما، وكان يقول: قدمت من البادية ولا معرفة لي بالقياس في العربية، وإنما كانت معرفتي قريحة، وأول ما تعلمت القياس في حلقة أبي زيد الأنصاري بالبصرة.
ودخل الأخفش سعيد على محمد بن المهلب، فقال له محمد: من أين جئت؟ فقال الأخفش: من عند القاضي يحيى بن أكثم، قال: فما جرى عنده؟ قال: سألني عن الثقة المأمون المقدم من أصحاب الخليل بن أحمد من هو؟ ومن الذي كان يوثق بعلمه؟ فقلت: النضر بن شميل وسيبويه مؤرج السدوسي.
وكان الغالب على مؤرج المذكور اللغة والشعر، وله عدة تصانيف: منها كتاب الأنواء وهو كتاب حسن، وكتاب غريب القرآن وكتاب جماهير القبائل وكتاب المعاني وغير ذلك، واختصر نسب قريش في مجلد لطيف سماه حذف نسب قريش.
وكان قد رحل مع المأمون من العراق إلى خراسان، وسكن مدينة مرو، وقدم نيسابور وأقام بها وكتب عنه مشايخها، وكان له شعر، فمن ذلك مما أنشده هارون بن علي بن يحيى المنجم في كتابه المسمى ب البارع، وهو:
روعت بالبين حتى ما أروع له |
|
وبالمصائب من أهلي وجيراني |
لم يترك الدهر لي علقاً أضن به |
|
إلا اصطفاه بنأيٍ أو بهجـران |
ثم قال ابن المنجم المذكور: وهذان البيتان من أملح ما قيل في معناهما، ومثلهما في معناهما لبعض المحدثين:
وفارقت حتى ما أروع من النـوى |
|
وإن غاب جيران عـلـي كـرام |
فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي |
|
وعيني على هجر الصديق تـنـام |
ومن هاهنا أخذ ابن التعاويذي المقدم ذكره قوله:
وها أنا لا قلبي يراع لفـائت |
|
فيأسى ولا يلهيه حظ فيفرح |
وهذا البيت من جملة قصيدة يذكر فيها توجعه لذهاب بصره، فمنها قوله مشيراً إلى زوجته:
وباكية لم تشك فقـداً ولا رمـى |
|
بجيرتها الأدنين نأي مـطـوح |
رمتها يد الأيام في ليث غابـهـا |
|
بفادح خطبٍ والحوادث تفـدح |
رأت جللاً لا الصبر يجمل بالفتى |
|
على مثله يوماً، ولا الحزن يقبح |
فلا غرو أن تبكي الدماء لكـاسـب |
|
لها كان يسعى في البـلاد ويكـدح |
عزيز عليهما أن ترانـي جـاثـمـاً |
|
وما لي في الأرض البسيطة مسرح |
وأن لا أقود العيش تنفح في البـرى |
|
وجرد المذاكي في الأعنة تـمـرح |
أظل حبيساً فـي قـرارة مـنـزل |
|
رهين أسى أمسى عليه وأصـبـح |
مقامي منه مظلـم الـجـو قـاتـم |
|
ومسعاي ضنك وهو صمحان أفـيح |
أقاد به قود الجنـيبة مـسـمـحـاً |
|
وما كنت لولا غدرة الدهر أسمـح |
كأني ميت لا ضـريح لـجـنـبـه |
|
وما كل ميت لا أبـالـك يضـرح |
وها أنا لا قـلـبـي يراع لـفـائت |
|
فيأسى، ولا يلهيه خـظ فـيفـرح |
فلله نصـل فـل مـنـي غـراره |
|
وعود شباب عاد وهـو مـصـوح |
وسقياً لأيام ركبت بـهـا الـهـوى |
|
جموحاً ومثلي في هوى الغيد يجمح |
وماضي صبا قضيت منه لبانـتـي |
|
خلاساً وعين الدهر زرقاء تلـمـح |
ليالي لي عند الغـوانـي مـكـانة |
|
فألحاظها ترنو إلـي وتـطـمـح |
وليلى بها أضعاف ما بي من الهوى |
|
أعرض بالشكوى لها فـتـصـرح |
دوهي طويلة طنانة يمدح بها الإمام الناصر لدين الله خليفة بغداد.
وقال المزرباني: وجدت بخط محمد بن العباس اليزيدي ما مثاله: أهدى أبو
فيد مؤرج السدوسي إلى جدي محمد بن أبي كساء، فقال جدي فيه يمدحه:
سأشكر ما أولى ابن عمرو مؤرج |
|
وأمنحه حسن الثنـاء مـع الـود |
أغر سدوسي نماه إلى الـعـلـى |
|
أب كان صباً بالمكارم والمـجـد |
أتينـا أبـا فـيد نـؤمـل سـيبـه |
|
ونقدح زنداً غير كابٍ ولا صلـد |
فأصدرنا بالري والبذل واللـهـى |
|
وما زال محمود المصادر والورد |
كساني ولم أستكسه مـتـبـرعـاً |
|
وذلك أهنى ما يكون من الـرفـد |
كسانيه فضفاضاً إذا ما لبـسـتـه |
|
تروحت مختالاً وجرت عن القصد |
كساء جمـال إن أردت جـمـالة |
|
وثوب شتاء إن خشيت من البـرد |
ترى حبكاً فيه كـأن اطـرداهـا |
|
فرند حديث صقله سل من غمـد |
سأشكر ما عشت السدوسـي بـره |
|
وأوصي بشكرٍ للسدوسي من بعدي |
وأخبار مؤرج كثيرة.
وقال ابن النديم: وجدت بخط عبد الله بن المعتز: مؤرج بن عمرو السدوسي كان من أصحاب الخليل بن أحمد، توفي سنة خمس وتسعين ومائة، في اليوم الذي توفي فيه أبو نواس، وهذا يستقيم على قول من ذهب إلى أن أبا نواس توفي سنة خمس وتسعين ومائة، وقد سبق الخلاف فيه.
ورأيت في كتاب الأنوار في أوله ما مثاله، قال أبو علي إسماعيل بن يحيى بن المبارك اليزيدي: قرأنا هذا الكتاب على المؤرج بجرحان ثم قدمنا مع المأمون العراق، سنة أربع ومائتين، فخرج المؤرج إلى البصرة ثم مات بها رحمه الله تعالى. وهذا خلاف للأول، والله أعلم بالصواب. وأما المؤرج فلا خلاف أنه مات في هذه السنة. وقد ذكره ابن قتيبة في كتاب المعارف وغيره. وفيد: بفتح الفاء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة، وهو في الأصل ورد الزعفران، وقيل هو الزعفران بعينه.
ومؤرج: بضم الميم وفتح الواو المهموزة وكسر الراء المشددة وبعدها جيم، وهو اسم فاعل من قولهم أرجت بين القوم إذا أغريت بينهم.
وقد تقدم الكلام على السدوسي في ترجمة قتادة في حرف القاف. وقيل: إن اسمه مرثد، ومؤرج لقب له، ومرثد: بفتح الميم والثاء المثلثة وراء ساكنة وفي الآخر دال مهملة، قال الجوهري في كتاب الصحاح: يقال رثدت المتاع: نضدته ووضعت بعضه على بعض أو إلى جنب بعض، ثم قال بعد ذلك: تركت بني فلان مرتثدين ما تحملوا بعد، أي ناضدين متاعهم، قال ابن السكيت: ومنه اشتق مرثد، وهو اسم رجل، والمرثد اسم من أسماء الأسد.
وكان مؤرج يقول: اسمي وكنيتي غريبان، اسمي مؤرج، والعرب تقول أرجت بي القوم وأرشت وأنا أبو فيد، والفيد: ورد الزعفران، ويقال: فاد الرجل يفيد فيداً، إذا مات، والله أعلم بالصواب.