موسى الكاظم

أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، أحد الأئمة الاثني عشر، رضي الله عنهم أجمعين.

قال الخطيب في تاريخ بغداد: كان موسى يدعى العبد الصالح، من عبادته واجتهاده. روي أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدة في أول الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك يا أهل التقوى وياأهل المغفرة، فجعل يرددها حتى أصبح. وكان سخياً كريماً، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلثمائة دينار ومائتي دينار، ثم يقسمها بالمدينة. وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد وحبسه، فرأى في النوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: يا محمد "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم" محمد:22 قال الربيع: فأرسل إلي ليلاً، فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية، كان أحسن الناس صوتاً، وقال: علي بموسى بن جعفر، فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال: يا أبا الحسن، إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم يقرأ علي كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من أولادي، فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت، أعطه ثلاثة آلاف دينار، ورده إلى أهله إلى المدينة، قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق.

وأقام بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد، فقدم هارون منصرفاً من عمرة شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفي محبسه. وذكر أيضاً أن هارون الرشيد حج فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم زائراً وحوله قريش ورؤساء القبائل، ومعه موسى بن جعفر، فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم، افتخاراً على من حوله، فقال موسى: السلام عليك يا أبت، فتغير وجه هارون الرشيد وقال: هذا هو الفخر يا أبا الحسن حقا؛ انتهى كلام الخطيب.

وقال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي في كتاب مروج الذهب في أخبار هارون الرشيد: إن عبد الله بن مالك الخزاعي كان على دار هارون الرشيد وشرطته، فقال: أتأني رسول الرشيد وقتاً ما جاءني فيه قط،، فانتزعني من موضعي ومنعني من تغيير ثيابي، فراعني ذلك، فلما صرت إلى الدار سبقني الخادم فعرف الرشيد خبري، فأذن لي في الدخول عليه فدخلت فوجدته قاعداً على فراشه فسلمت عليه فسكت ساعة، فطار عقلي وتضاعف الجزع علي، ثم قال: يا عبد الله أتدري لما طلبتك في هذا الوقت؟ قلت: لا والله ياأمير المؤمنين، قال: إني رأيت الساعة في منامي كأن حبيشاً قد أتاني ومعه حربة فقال: إن خليت عن موسى بن جعفر الساعة وإلا نحرتك بهذه الحربة، فاذهب فخل عنه، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، أطلق موسى بن جعفر؟ ثلاثاً، قال: نعم امض الساعة حتى تطلق موسى بن جعفر، وأعطه ثلاثين ألف درهم، وقل له: إن أحببت المقام قبلنا فلك عندي ما تحب، وإن أحببت المضي إلى المدينة فالإذن في ذلك لك، قال: فمضيت إلى الحبس لأخرجه، فلما رآني موسى وثب إلي قائماً وظن أني قد أمرت فيه بمكروه، فقلت: لا تخف، فقد أمرني بإطلاقك وأن أدفع لك ثلاثين ألف درهم، وهو يقول لك إن أحببت المقام قبلنا، فلك كل ما تحب، وإن أحببت الانصراف إلى المدينة فالأمر في ذلك مطلق لك، وأعطيته ثلاثين ألف درهم، وخليت سبيله وقلت له: لقد رأيت من أمرك عجباً، قال: إني أخبرك، بينما أنا أنائم إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا موسى، حبست مظلوماً فقل هذه الكلمات فإنك لا تبيت هذه الليلة في الحبس، فقلت: بأبي وأمي ما أقول؟ قال: قل يا سامع كل صوت، ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت، أسألك بأسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليماً ذا أناة لا يقوى على أناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً ولا يحصى عدداً، فرج عني؛ فكان ما ترى.

وله أخبار ونوادر كثيرة. وكانت ولادته يوم الثلاثاء قبل طلوع الفجر سنة تسع وعشرين ومائة، وقال الخطيب: سنة ثمان وعشرين بالمدينة؛ وتوفي لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل سنة ست وثمانين ببغداد، وقيل إنه توفي مسموماً. وقال الخطيب: توفي في الحبس ودفن في مقابر الشونيزيين خارج القبة، وقبره هناك مشهور يزار، وعليه مشهد عظيم فيه قناديل الذهب والفضة وأنواع الآلات والفرش ما لايحد، وهو في الجانب الغربي، وقد سبق ذكر أبيه وأجداده وجماعة من أحفاده، رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان الموكل به مدة حبسه السندي بن شاهك جد كشاجم الشاعر المشهور.