الألوسي

أبو سعيد المؤيد بن محمد بن علي بن محمد الألوسي، الشاعر المشهور؛ كان من أعيان شعراء عصره كثير الغزل والهجاء، ومدح جماعة من رؤساء العراق، وله ديوان شعر، وكان منقطعاً إلى الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة، وله فيه مادئح جيدة.

ذكره محب الدبن ابن النجار في تاريخ بغداد فقال: هو عطاف بن محمد ابن علي بن أبي سعيد الشاعر المعروف بالمؤيد، ولد بألوس، قرية بقرب الحديثة، ونشأ بدجيل ودخل بغداد، وصار جاووشاً في أيام المسترشد بالله، وهجاه ابن الفضل الشاعر بأبيات؛ ثم إن المؤيد نظم الشعر فأكثر منه حتى عرف به ومدح وهجا، وكان قد لجأ إلى خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه - وقد تقد ذكره - قال: وتفسح في ذكر الإمام المقتفي وأصحابه بما لا ينبغي، فقبض عليه وسجن.

وذكره العماد الكاتب في كتاب الخريدة فقال: ترفع قدره وأثرى حاله، ونفق شعره، وكان له قبول حسن، واقتنى أملاكاً وعقاراً وكثر رياشه، وحسن معاشه، ثم عثر به الدهر عثرة صعب منها انتعاشه، وبفي في حبس الأمام المقتفي أكثر من عشر سنين إلى أن خرج في أول خلافة الإمام المستنجد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ولقيته حينئذ وقد غشي بصره من ظلمة المطمورة التي كان فيها محبوساً. وكان زيه زي الأجناد، وسافر إلى الموصل، وله شعر حسن غزل وأسلوب مطرب بنظم معجب، وقد يقع له في المعاني المبتكرة ما يندر، فمن ذلك قوله في صفة القلم:

ومثقف يغني ويفنـي دائمـاً

 

في طوري الميعاد والإيعاد

قلم يفل الجيش وهو عرموم

 

والبيض ما سلت من الأغماد

وهبت له الآجام حين نشأ بها

 

كرم السيول وهيبة الآسـاد

 

قلت أنا: ولقد رأيت هذه الأبيات منسوبة إلى غيره، والله أعلم بالصواب.


ولم يقل في القلم أحسن من هذا المعنى. ولبعضهم في القلم أيضاً وهو في هذا المعنى:

وأرقش مرهوب الشباة مهفـهـف

 

يشتت شمل الخطب وهو جـمـيع

تدين له الآفاق شرقـاً ومـغـربـا

 

وتعنو له أفـلاكـهـا وتـطـيع

حمى الملك مفطوماً كما كان يحتمي

 

به الأسد في الآجام وهو رضـيع

 

ولبعضم أيضاً في هذا المعنى:

له قـلـم كـقـضـاء الإلـــه

 

بالسعد طوراً وبالنحس مـاضـي

فما فارق الأسد فـي حـالـتـيه

 

يبيسـاً وذا ورقـات غـضـاض

ففي كف ليث الوغى في الـنـدى

 

وفي وجه ليث الشرى في الغياض

 

ومعنى البيت الثالث مأخوذ من قول بعضهم في وصف طنبور:

وطنبور مليح الشكل يحكي

 

بنغمته الفصيحة عندليبـا

روى لما ذوى نغماً فصاحاً

 

حواها في تقلبه قضـيبـا

كذا من عاشر العلماء طفلاً

 

يكون إذا نشأ شيخاً أديبـا

 

وهذا معنى مطروق أكثرت الشعراء استعماله،فمن ذلك قول بعضهم وهو أبو محمد عبد الله بن قاضي ميلة:

جاءت بعود يناغيهايسـعـدهـا

 

انظر بدائع ما يأتي به الشجـر

غنت عليه ضروب الطير ساجعة

 

حيناً فلما ذوى غنى به البـشـر

فلا يزال عليه الدهر مصطخب

 

يهيجه الأعجمان: الطير والوتر

ولبعضهم في المعنى أيضاً:

وعود له نوعان من لذة المنـى

 

فبورك جان يجتنيه وغـارس

تغنت عليه وهو رطب طيروها

 

وغنت عليه قينة وهو يابـس

 

ولولا خوف الإطالة والخروج عما نحن بصدده لذكرت عدة مقاطيع في هذا المعنى.


ولبهاء الدين زهير المقدم ذكره من قصيدة يمدح بها اقسيس بن الملك الكامل:

وتهتز أعواد المنابـر اسـمـه

 

فهل ذكرت أيامها وهي أغضان

 

ثم قال العماد في بقية الترجمة: وكان ولده محمد ذكياً، وله شعر حسن، هاجر إلى الملك العادل نور الدين بالشام سنة أربعة وستين وكان يومئذ بصرخد، فمرض فأنفذه إلى دمشق، فمات في الطريق بقرية يقال لها رشيدة؛ انتهى كلا العماد.


ومن شعر المؤيد المذكور من جملة قصيدة له، رحمه الله تعالى:

فيا بردها مـن نـفـحة حـاجـرية

 

على حر صدر ليس تخبو سمائمـه

ويا حسنه طيفاً وشى نـور وجـهـه

 

بطيفي فغطاني من الشعر فاحمـه

يجول وشاحاه على غـصـن بـانة

 

سقاها الحيا فاخضر واهتز ناعمـه

فلما رمى في شملنا الصبح بالنـوى

 

ولم يبق منها غير معنـى ألازمـه

وقفت بجزوى وهي منها مـعـالـم

 

قواء وجسمي قد تعفت معـالـمـه

وقوف بناني في يمينـي ولـم أقـف

 

وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه

ولم يبق لي رسماً بجسمي صدوهـا

 

فيشجى بدمعي كلما انهل طاسـمـه

ولا مقلة أبقت فـتـغـرم نـظـرة

 

بثانية والمتلف الـشـيء غـارمـه

فلله وجدي في الـركـاب كـأنـه

 

دموعي وقد حنت بلـيل روازمـه

وقد مد من كف الثـريا هـلالـهـا

 

فقبلته حتى تهـاوت مـنـاظـمـه

 

وهي قصيدة طويلة أجاد فيها، وقد وازن بها قصيدة المتنبي في سيف الدولة ابن حمدان التي أولها:

وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه

 

بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه

 

وقد استعمل في قصيدته أنصاف أبيات من قصيدة المتنبي على وجه التضمين وأكثر شعره جيد.


وله أيضاً من جملة أبيات قالها وهو محبوس:

رحلوا فأفنيت الدموع تشوقـاً

 

من بعدهم وعجبت إذ أنا باقي

وعلمت أن العود يقطر مـاؤه

 

عند الوقود لفـرقة الأوراق

وأبيت مأسوراً وفرحة ذكركم

 

عندي تعادل فرحة الإطلاق

لا تنكر البلوى سواد مفارقـي

 

فالحرق يحكم صنعة الحراق

 وكانت ولادته سنة أربع وتسعين وأربعمائة بألوس، ونشأ بها. وتوفي الخميس الرابع والعشرين مم شهر رمضان سنة سبع وخمسين وخمسمائة بالموصل، وكان خروجه من بغداد سنة ست وخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

ولما ذكرت تاريخ ولاية المستنجد ذكرت نكتة غربية أحببت ذكرها، وهو ما أخبرني به بعض مشايخ العراق الفضلاء أن المستنجد رأى في منامه في حياة والده المقتفي كأن ملكاً نزل من السماء فكتب في كفه أربع خاءات، فلما استيقظ طلب معبر الرؤيا، فقص عليه مارآه، فقال له: تلي الخلافة في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، فكان الأمر كذلك، وكان ذلك قبل وفاة والده بمدة.

والألوسي: بضم الهمزة واللام وبعدها واو ساكنة ثم سين مهملة، هذه النسبة إلى ألوس، وهي ناحية عند حديثة عانة على الفرات، هكذا ذكره عز الدين بن الأثير - المقدم ذكره -فيما استدركه على الحافظ ابن السمعاني، لأنه قال: ألوس موضع بالشام في الساحل عند طرسوس، وهو بغدادي الدار والمنشأ - لأنه دخل بغداد في صباه - وقيدها ابن النجار الآلسي ومد الهمزة وضم اللام، والله أعلم.