ابن قلاقس

أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن علي بن عبد القوي بن قلاقس، اللخمي الأزهري الإسكندري، الملقب القاضي الأعز، الشاعر المشهور؛ كان شاعراً مجيداً وفاضلاً نبيلاً"ولم يكن له لحية بل كان سناطاً، وقيل أشعار بسب ذلك فأضربت عن ذكرها لفحشها". صحب الشيخ الحافظ أبا طاهر أحمد بن محمد السلفي- المقدم ذكره - وانتفع بصحبته، وله فيه غرر المدائح، وقد تضمنها ديوانه، وكان الحافظ المذكور كثيراً ما يثني عليه ويتقاضاه بمديحه، وقصد القاضي الفاضل عبد الرحيم- المقدم ذكره - بقصيدة موسومة أحسن فيها كل الإحسان، وأولها:

ما ضر ذاك الـريم أن لا يريم

 

لو كان يرثي لسـلـيم سـلـيم

وما على مـن وصـلـه جـنة

 

ألا أرى من صه في جـحـيم

أعندمـا هـمـت بـه روضةً

 

أعل جسمي لأكون الـنـسـيم

رقيم خـد نـام عـن سـاهـرٍ

 

ما أجدر النوم بأهل الـرقـيم

وكيف لا يصرم ظـبـيٌ وقـد

 

سمعت في النسبة ظبي الصريم

وعـاذلٍ دام ودوام الـدجــى

 

بهيمة نادمتـهـا فـي بـهـيم

يغظني وهو عـلـى رسـلـه

 

والمرء في غيظ سواه حـلـيم

قلت له لـمـا عـدا طـوره

 

والقلب مني في العذاب الأليم

اعذر فؤادي إنـه شـاعـرٌ

 

من حبه في كـل واد يهـيم

يا رب خمر فمه كـاسـهـا

 

لم أقتنع من شربها بالـشـيم

أتبعت رشفاً قبلاً عـنـدهـا

 

وقلت هذا زمزمٌ والحطـيم

فافتر إما عن أقاحي الـربـا

 

يضحك أو در العقود النظيم

أو كان قد قبل مستحـسـنـاً

 

ما قبل الفاضل عبد الرحـيم

 

وكان كثير الحركات والأسفار، وفي ذلك يقول:

والناس كثرٌ ولكن لا يقدر لي

 

إلا مرافقة الملاح والحادي

 

وفي آخر وقته دخل بلاد اليمن، وامتدح بمدينة عدن أبا الفرج ياسر بن أبي الندى بلال بن جرير المحمدي وزير محمد وأبي السعود ولدي عمران بن محمد بن الداعي سبأ بن أبي السعود بن زريع بن العباس اليامي، صاحب بلاد اليمن، فأحسن إليه وأجزل صلته، وفارقه وقد أثرى من جهته، فركب البحر، فانكسر المركب به، وغرق جميع ما كان معه بجزيرة الناموس بالقرب من دهلك، وذلك يوم الجمعة خامس ذي القعدة سنة ثلاث وستين وخمسمائة، فعاد إليه وهو عريان، فلما دخل عليه أنشده قصيدته التي أولها:

صدرنا وقد نادى السماح بنا ردوا

 

فعدنا إلى مغناك والعود أحمـد

 

وهذه القصيدة من القصائد المختارة، ولو لم يكن فيها سوى هذا البيت لكفاه، ثم أنشده بعد ذلك قصيدة يصف فيها غرقه، وأولها:

سافر إذا حاولت قـدرا

 

سار الهلال فصار بدرا

والماء يكسب ما جـرى

 

طيباً ويخبث ما استقرا

وبنقلة الدر الـنـفـي

 

سة بدلت بالبحر نحـرا

 

ومنها:

يا راوياً عــن ياســـر

 

خبراً ولم يعرفه خـبـرا

اقـرأ بـغـرة وجـهـه

 

صحف المنى إن كنت تقرا

والـثـم بـنـان يمـينـه

 

وقل السلام عليك بـحـرا

وغلطـت فـي تـشـبـيه

 

بالبحر، فاللهـم غـفـرا

أو ليس نلت بـذا غـنـى

 

جماً ونلت بـذاك فـقـرا

وعـهـدت هـذا لـم يزل

 

مداً، وذاك يعـود جـزرا

 

وهي قصيدة طويلة أحسن فيها كل الإحسان، ومعنى البيت الثاني منها مأخوذ من قول بديع الزمان صاحب المقامات- المقدم ذكره في حرف الهمزة - في أول رسالة قد ذكرتها في ترجمته، وهي "الماء إذا طال مكثه، ظهر خبثه"، والبيت الثالث من هذه القصيدة أيضاً مأخوذ من قول صردر الشاعر- المقدم ذكره في حرف العين - وهو:

قلقل ركابك في الـفـلا

 

ودع الغواني للخـدور

فمحالفـو أوطـانـهـم

 

أمثال سكان القـبـور

لولا التنقل ما ارتـقـت

 

درر البحور إلى النحور

 

وله في جارية سوداء، وهو معنى غريب:

رب سوداء وهي بيضاء معنى

 

نافس المسك عندها الكافـور

مثل حب العيون يحسبه النـا

 

س سواداً، وإنما هـو نـور

 

ومحاسن ابن قلاقس نادرة. وكانت ولادته بثغر الإسكندرية يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. وتوفي ثالث شوال سنة سبع وستين وخمسمائة بعيذاب، رحمه الله تعالى.


ودخل صقلية في شعبان سنة ثلاث وستين، وكان وصوله إلى اليمين سنة خمس وستين، وكان بصقلية بعض القواد، يقال له القائد أبو القاسم ابن الحجر فاتصل به وأحسن إليه، وصنف له كتاباً سماه "الزهر الباسم في أوصاف أبي القاسم" وأجاد فيه، ولما فارق صقلية راجعاً إلى الديار المصرية، وكان زمن الشتاء، ردته الريح إلى صقلية، فكتب إلى أبي القاسم المذكور:

منع الشتـاء مـن الـوصـو

 

ل مع الرسول إلـى دياري

فأعادنـي وعـلـى اخـتـيا

 

ري جاء من غير اختـياري

ولربـمـا وقـع الـحـمـا

 

ر وكان من غرض المكاري

وقلاقس: بقافين، الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبينهما لام ألف وفي آخره سين مهملة، وهو جمع قلقاس بضم القاف وهو معروف.

واللخمي: تقدم الكلام عليه وكذلك الأزهري. وعيذاب: بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الذال المعجمة وبعد الألف باء موحدة، وهي بليدة على شاطئ بحر جدة، يعدي منها الركب المصري المتوجه إلى الحجاز، على طريق قوص، في ليلة واحدة، في أغلب الأوقات، فيصل إلى جدة، ومنها إلى مكة- حرسها الله تعالى - مسفة يوم، وبجدة قبر أم البشر حواء، رضي الله عنها، على ما يقال، وقبرها هناك ظاهر يزار.

وياسر المذكور قتله شمس الدولة توران شاه- المقدم ذكره -عند دخوله اليمن.