أبو عبد الله بن منبه اليماني، صاحب الأخبار والقصص، وكانت له معرفة بأخبار الأوائل وقيام الدنيا وأحوال الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وسير الملوك، وذكر عنه ابن قتيبة في كتاب " المعارف " أنه كان يقول: قرأت من كتب الله تعالى اثنين وسبعين كتاباً. ورأيت له تصنيفاً ترجمه بذكر الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم، في مجلد واحد، وهو من الكتب المفيدة. وكان له إخوة منهم: همام بن منبه، كان أكبر من وهب، وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو معدود من حملة الأبناء.
ومعنى قولهم: " فلان من الأبناء " أن أبا مرة سيف بن ذي يزن الحميري صاحب اليمن، لما استولت الحبشة على مكة، توجه إلى كسرى أنوشروان ملك الفرس يستنجده عليهم، وقصته في ذلك مشهورة وخبره طويل، وخلاصة الأمر أنه سير معه سبعة آلاف وخمسمائة فارس من الفرس، جعل مقدمهم وهرز، هكذا قاله ابن قتيبة. وقال محمد بن إسحاق: لم يسير معه سوى ثمانمائة فارس، فغرق منهم في البحر مائتان، وسلم ستمائة. قال أبو القاسم السهيلي: والقول الأول أشبه بالصواب، إذ يبعد مقاومة الحبشة بستمائة فارس. فلما وصل الجيش إلى اليمن جرت الواقعة بينهم وبين الحبشة، فاستظهرت الفرس عليهم وأخرجوهم من البلاد، وملك سيف بن ذي يزن ووهرز، وأقاموا أربع سنين، وكان سيف بن ذي يزن قد اتخذ من أولئك الحبشة خدماً، فخلوا به يوماً وهو متصيد له فزرقوه بحرابهم فقتلوه وهربوا في رؤوس الجبال، وطلبهم أصحابه فقتلوهم جميعاً، وانتشر الأمر باليمن، ولم يملكوا عليهم أحداً، غير أن أهل كل ناحية ملكوا عليهم رجلاً من حمير، فكانوا كملوك الطوائف، حتى أتى الله بالإسلام. ويقال إنها بقيت في أيدي الفرس ونواب كسرى فيها، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وباليمن من قواد أبرويز عاملان، أحدهما: فيروز الديلمي، والآخر داذويه، وأسلما، وهما اللذان دخلا على الأسود العنسي مع قيس بن المكشوح لما ادعى الأسود النبوة باليمن وقتلوه، والقصة في ذلك مشهورة، فلا حاجة إلى ذكرها. والمقصود من هذا كله أن جيش الفرس لما استوطن اليمن تأهلوا، ورزقوا الأولاد، فصار أولادهم وأولاد أولادهم يدعون الأبناء، لأنهم من أبناء أولئك الفرس. وكان طاوس العالم - المقدم ذكره - منهم أيضاً، وقد أومأت إلى ذلك في ترجمته، ولم أشرحه كما فعلت هاهنا.
وأخبار وهب شهيرة فلا حاجة إلى ذكر شيء منها، ويكفي في هذا الموضع ذكر هذه الفائدة. وتوفي وهب المذكور في المحرم سنة عشر وقيل أربعة عشر وقيل ست عشرة ومائة بصنعاء في اليمن، وعمره تسعون سنة، رضي الله عنه.
وقد نقدم الكلام على صنعاء في ترجمة عبد الرزاق الصنعاني.
وفي هذه الترجمة أسماء أعجمية، لو قيدتها لطال الشرح، وهي مشهورة فتركتها لذلك.