البحتري

أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى بن عبيد بن شملال بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن خيثم بن أب حارثة بن جدي بن تدول بن بحتر بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن جلهمة، وهو طيء بن ادد بن زيدان بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، الطائي البحتري الشاعر المشهور، ولد بمنبج، وقيل بزردفنة وهي قرية من قراها، ونشأ وتخرج بها، ثم خرج إلى العراق ومدح جماعة من الخلفاء أولهم المتوكل على الله، وخلقاً كثيراً من الأكابر والرؤساء، وأقام ببغداد دهراً طويلاً ثم عاد إلى الشام، وله أشعار كثيرة ذكر قيها حلب وضواحيها، وكان يتغزل بها، وقد روى عنه أشياء من شعره أبو العباس المبرد ومحمد بن خلف بن المرزبان والقاضي أبو عبد الله المحاملي ومحمد بن أحمد الحكيمي وأبو بكر الصولي وغيرهم.

قال صالح بن الأصبغ التنوخي المنبجي: رأيت البحتري هاهنا عندنا قبل أن يخرج إلى العراق، يجتاز بنا الجامع من هذا الباب، وأومأ إلى جنبتي المسجد، يمدح أصحاب البصل والباذنجان، وينشد الشعر في ذهابه ومجيئه، ثم كان منه ما كان، وعلوة التي شبب بها في كثير من أشعاره هي بنت زريقة الحلبية، وزريقة أمها.

وحكى أبو بكر الصولي في كتابه الذي وضعه في " أخبار أبي تمام الطائي " أن البحتري كان يقول: أول أمري في الشعر ونباهتي فيه أني صرت إلى أبي تمام وهو بحمص، فعرضت عليه شعري، وكان يجلس فلا يبقى شاعر إلا قصده وعرض عليه شعره، فلما سمع شعري أقبل علي وترك سائر الناس، فلما تفرقوا قال لي: أنت أشعر من أنشدني، فكيف حالك؟ فشكوت خلة، فكتب إلى أهل معرة النعمان، وشهد لي بالحذق وشفع لي إليهم وقال لي: امتدحهم، فصرت إليهم فأكرموني بكتابه ووظفوا لي أربعة آلاف درهم، فكانت أول مال أصبته.

وقال أبو عبادة المذكور: أول ما رأيت أبا تمام، وما كنت رأيته قبلها، أني دخلت أبي سعيد محمد بن يوسف، فامتدحته بقصيدتي التي أولها:

أأفاق صب من هوى فأفيقا

 

أم خان عهداً أم اطاع شفيقا

 

فأنشدته إياها، فلما أتممتها سر بها، وقال لي: أحسن الله إليك يا فتى، فقال له رجل في المجلس: هذا، أعزك الله، شعري علقه هذا الفتى، فسبقني به إليك، فتغير أبو سعيد وقال لي: يا فتى، قد كان في نسبك وقرابتك ما يكفيك أن تمت به إلينا، ولا تحمل نفسك على هذا، فقلت: هذا شعري أعزك الله، فقال الرجل: سبحان الله يا فتى لا تقل هذا، ثم ابتدأ فأنشد من القصيدة أبياتاً، فقال لي أبو سعيد: نحن نبلغك ما تريد، ولا تحمل نفشك على هذا، فخرجت متحيراً لا أدري ما أقول، ونويت أن أسأل عن الرجل من هو، فما بعدت حتى ردني أبو سعيد ثم قال لي: جنيت عليك فاحتمل، أتدري من هذا؟ فقلت: لا، قال: هذا ابن عمك، حبيب بن أوس الطائي لأبو تمام، فقم إليه، فقمت إليه فعانقته. ثم أقبل علي يقرظني ويصف شعري وقال: إنما مزحت معك، فلزمته بعد ذلك وكثر عجبي من سرعة حفظه.


وروى الصولي أيضاً في كتابه المذكور أن أبا تمام راسل أم البحتري في التزوج بها، فأجابته وقالت له: اجمع الناس للإملاك، فقال: الله أجل من أن يذكر بيننا، ولكن نتصافح ونتسافح.


وقيل للبحتري: أيما أشعر أنت أم أبو تمام؟ فقال: جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه.


وكان يقال لشعر البحتري: سلاسل الذهب، وهو في الطبقة العليا.


ويقال إنه قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر، أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟ فقال: حكيمان والشاعر البحتري. ولعمري ما أنصفه ابن الرومي في قوله:

والفتى البحتري يسرق مـا قـا

 

ل ابن أوس في المدح والتشبيب

كل بيت لـه يجـود مـعـنـا

 

ه فمعناه لابـن أوس حـبـيب

وقال البحتري: أنشدت أبا تمام شيئاً من شعري، فأنشدني بيت أوس بن حجر:  

إذا مقرم منا ذرا حد نابـه

 

تخمط فينا ناب آخر مقرم

 

وقال: نعيت إلي نفسي، فقلت: أعيذك بالله من هذا، فقال: إن عمري ليس يطول وقد نشأ لطيءٍ مثلك، أما علمت أن خالد بن صفوان المنقري رأى شبيب بن شبيبة، وهو من رهطه وهو يتكلم فقال: يا بني، نعى نفسي إلي إحسانك في كلامك، لأنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله، قال: فمات أبو تمام بعد سنة من هذا.


وقال البحتري: أنشدت أبا تمام شعراً لي في بعض بني حميد وصلت به إلى مال خطر،فقال لي: أحسنت، أنت أمير الشعر بعدي، فكان قوله هذا أحب إلى من جميع ما حويته.


وقال ميمون بن هارون: رأيت أبا جعفر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ، وحاله متماسكة، فسألته، فقال: كنت من جلساء المستعين فقصده الشعراء، فقال: لست أقبل إلا ممن قال مثل قول البحتري في المتوكل:

ولو أن مشتاقاً تكلف فوق ما

 

في وسعه لمشى إليك المنبر

 

فرجعت إلى داري وأتيته وقلت: قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري فقال: هاته، فأنشدته:

ولـو أن بـرد الـمـصـطـفـى إذ لـبـسـتـه

 

يظـن لـظـن الـبـرد أنـك صـاحــبـــه

وقال وقد أعطيته ولبسته:نعم، هذه أعطافه ومناكبه

 

 

فقال: ارجع إلى منزلك، وافعل ما آمرك به، فرجعت، فبعث إلي سبعة آلاف دينار، وقال: ادخر هذه للحوادث من بعدي، ولك علي الجراية والكفاية ما دمت حياً.


وللمتنبي في هذا المعنى:

لو تعقل الشجر التي قابلتها

 

مدت محيية إليك الأغصنا

 

وسبقهما أبو تمام بقوله:

لو سعت بقعة لإعظام نعمى

 

لسعى نحوها المكان الجديب

 

والبيت الذي للبحتري من جملة قصيدة طويلة أحسن فيها كل الإحسان، يمدح بها أبا الفضل جعفراً المتوكل على الله، ويذكر خروجه لصلاة عيد الفطر، وأولها:

أخفي هوى لك في الضلوع وأظهر

 

وألام من كمـد عـلـيك وأعـذر

 

والأبيات التي يرتبط بها البيت المقدم ذكره هي:

بالبر صمت وأنت أفضل صـائم

 

وبسنة الله الرضـية تـفـطـر

فانعم بيوم الفطـر عـينـاً إنـه

 

يوم أغر من الزمان مـشـهـر

أظهرت عز الملك فيه بجحفـل

 

لجبٍ يحاط الدين فيه وينـصـر

خلنا الجبال تسير فيه وقد غـدت

 

عدداً يسير به العـديد الأكـثـر

فالخيل تصهل، والفوارس تدعي

 

والبيض تلمع، والأسنة تزهـر

والأرض خاشعة تميد بثقـلـهـا

 

والجو معتكر الجوانب أغـبـر

والشمس طالعة توقد في الضحى

 

طوراً ويطفيها العجاج الأكـدر

حتى طلعت بضوء وجهك فانجلى

 

ذاك الدجى وانجاب ذاك العثـير

فافتن فيك الناظرون فـإصـبـع

 

يومى إليك بها وعين تـنـظـر

يجدون رؤيتك التي فازوا بـهـا

 

من أنعم الله التـي لا تـكـفـر

ذكروا بطلعتك النبي فهـلـلـوا

 

لما طلعت من الصفوف وكبروا

حتى انتهيت إلى المصلى لابسـاً

 

نور الهدى يبدو عليك ويظهـر

ومشيت مشياً خاشعٍ متـواضـعٍ

 

للـه لا يزهـى ولا يتـكـبـر

فلو أن مشتاقاً تكلـف غـير مـا

 

في وسعه لمشى إليك المنـبـر

أيدت من فصل الخطاب بحكـمةٍ

 

تنبي عن الحق المبين وتخـبـر

ووقفت في برد النبي مـذكـراً

 

بالله تـنـذر تـارةً وتـبـشـر

 

هذا القدر هو المقصود مما نحن فيه، وهذا الشعر هو السحر الحلال على الحقيقة، والسهل الممتنع، فلله دره! ما أسلس قياده وأعذب ألفاظه، وأحسن سبكه وألطف مقاصده، وليس من الحشو شيء، بل جميعه نخب.


وديوانه موجود وشعره سائر، فلا حاجة إلى الإكثار منه هاهنا، لكن نذكر من وقائعه ما يستظرف: فمن ذلك أنه كان له غلام اسمه نسيم فباعه، فاشتراه أبو الفضل بن وهب الكاتب - وقد سبق ذكر أخيه سليمان في حرف السين - ثم إن البحتري ندم على بيعه وتتبعته نفسه، فكان يعمل فيه الشعر ويذكر أنه خدع وأن بيعه لم يكن من مراده، فمن ذلك قوله:

أنسيم هل للدهر وعد صـادق

 

فيما يؤمله المحب الـوامـق

ما لي فقدت في المنام ولم تزل

 

عون المشوق إذا جفاه الشائق

أمنعت أنت من الزيارة رقـبةً

 

منهم فهل منع الخيال الطارق

اليوم جاز بي الهوى مقـداره

 

في أهله وعلمت أني عاشق

فليهنئ الحسن بن وهب أنـه

 

يلقى أحبته ونحـن نـفـارق

 

وله فيه أشعار كثيرة.


ومن أخبار أنه كان لحلب شخص يقال له طاهر بن محمد الهاشمي، مات أبوه وخلف له مقدار مائة ألف دينار، فأنفقها على الشعراء والزوار في سبيل الله، فقصده البحتري من العراق، فلما وصل إلى حلب قيل له: إنه قد قعد في بيته لديون ركبته، فاغتم البحتري لذلك غماً شديداً وبعث المدحة إليه مع بعض مواليه، فلما وصلته ووقف عليه بكى، ودعا بغلام له وقال له: بع داري، فقال له: أتبيع دارك وتبقى على رؤوس الناس؟ فقال: لا بد من بيعها، فباعها بثلثمائة دينار فأخذ صرة وربط فيها مائة دينار، وأنفذها إلى البحتري، وكتب إليه معه رقعة فيها هذه الأبيات:

لو يكون الحباء حسب الذي أن

 

ت لدينا به مـحـل وأهـل

لحبيب اللجين والـدر والـيا

 

قوت حثواً وكـان ذاك يقـل

والأديب والأريب بـالـعـذ

 

ر إذا قصر الصديق المقـل

 

فلما وصلت الرقعة إلى البحتري رد الدنانير، وكتب إليه:

بأبي أنت والله للبـر أهـل

 

والمساعي بعد وسعيك قبل

والنوال القليل يكثر إن شـا

 

ء مرجيك والكـثـير يقـل

غير أني رددت برك إذ كـا

 

ن رباً منك، والربا لا يحـل

وإذا ما جزيت شعراً بشعـر

 

قضي الحق، والدنانير فضل

 

فلما عادت الدنانير إليه حل الصرة، وضم خمسين ديناراً أخرى، وحلف أنه لا يردها عليه، وسيرها، فلما وصلت إلى البحتري أنشأ يقول:

شكرتك إن الشكر للعبد نـعـمة

 

ومن يشكر المعروف فالله زائده

لكل زمانٍ واحـد يقـتـدى بـه

 

وهذا زمان أنت لا شك واحـده

 

وكان البحتري كثيراً ما ينشد لشاعر أنسي اسمه، ويعجبه قوله:

حمـام الأراك ألا فـاخـــبـــرينـــا

 

لمـن تـنـدبـين ومـن تـعـولــينـــا

فقد شـقـت بـالـنـوح مـنـا الـقـلـوب

 

وأبـكـيت بـالـنـدب مـنـا الـعـيونـا

تعـالـي نـقـم مـأتـمـاً لـلـهـمــوم

 

ونـعـول إخـوانـنـا الـظـاعـنـينــا

ونسعدكن وتسعدننافإن الحزين يواسي الحزينا

 

 

 

ثم إني وجدت هذه الأبيات لنبهان الفقعسي من العرب.


وكان البحتري قد اجتاز بالموصل، وقيل برأس عين، ومرض بها مرضاً شديداً، وكان الطبيب يختلف إليه ويداويه، فوصف له يوماً مزورة ولم يكن عنده من يخدمه سوى غلامه، فقال للغلام: اصنع هذه المزورة، وكان رؤساء البلد عنده حاضراً، وقد جاء يعوده، فقال ذاك الرئيس: هذا الغلام ما يحسن طبخها، وعندي طباخ من صفته وصفته، وبالغ في حسن صنعته، فترك الغلام عملها اعتماداً على ذلك الرئيس وقعد البحتري ينتظرها، واشتعل الرئيس عنها ونسي أمرها، فلما أبطأت عنه وفات وقت وصولها إليه، كتب إلى الرئيس:

وجدت وعدك زوراً في مـزورة

 

حلفت مجتهداً إحكام طاهـيهـا

فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها

 

ولا علت كف ملق كفه فـيهـا

فاحبس رسولك عني أن يجيء بها

 

فقد حبست رسولي عن تقاضيها

وأخباره ومحاسنه كثيرة فلا حاجة إلى الإطالة. ولم يزل شعره غير مرتب حتى جمعه أبو بكر الصولي ورتبه على الحروف، وجمعه أيضاً علي بن حمزة الأصبهاني، ولم يرتبه على الحروف بل على الأنواع كما صنع بشعر أبي تمام.

وللبحتري أيضاً كتاب " حماسة " على مثال " حماسة أبي تمام " وله كتاب " معاني الشعر ": وكانت ولادته سنة ست وقيل خمس ومائتين، وتوفي سنة أربع وثمانين وقيل خمس وثمانين وقيل ثلاث وثمانين ومائتين، والأول أصح والله أعلم. وقال ابن الجوزي في كتاب " أعمار الأعيان ": توفي البحتري وهو ابن ثمانين سنة، والله أعلم بالصواب، وكان موته بمنبج، وقيل بحلب، والأول أصح.

وقال الخطيب في " تاريخ بغداد ": إنه كان يكنى أبا الحسن وأبا عبادة، فأشير عليه في أيام المتوكل أن يقتصر على أبي عبادة فإنها أشهر، ففعل.

وأهل الأدب كثيراً ما يسألون عن قول أبي العلاء المعري:

وقال الوليد: النبع ليس بـمـثـمـر

 

وأخطأ، سرب الوحش من تمر النبع

 

فيقولون: من هو الوليد المذكور؟ وأين قال النبع ليس بمثمر؟ ولقد سألني عنه جماعة كثيرة، والمراد بالوليد هو البحتري المذكور، وله قصيدة طويلة يقول فيها:

وعيرتني سجال العدم جـاهـلة

 

والنبع عريان ما في فرعه ثمر

 

وهذا البيت هو المشار إليه في بيت المعري، وإنما ذكرت هذا لأنه فائدة تستفاد.


وعبيد الله وأخوه أبو عبادة، ابنا يحيى بن الوليد البحتري، اللذان مدحهما المتنبي في قصائده، هما حفيدا البحتري الشاعر المذكور، وكانا رئيسين في زمانهما.


والبحتري: بضم الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وضم التاء المثناة من فوقها وبعدها راء، هذه النسبة إلى بحتر، وهو أحد أجداده، كما تقدم ذكره في عمود نسبه.


وزردفنة: بفتح الزاي وسكون الراء وفتح الدال المهملة، وسكون الفاء وفتح النون وبعدها هاء ساكنة، وهي قرية من قرى منبج، بالقرب منها.


ومنبج: بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وبعدها جيم، وهي بلدة بالشام بين حلب والفرات بناها كسرى لما غلب على الشام، وسماها منبه، فعربت فقيل منبج، ولكونها وطن البحتري كان يذكرها في شعره كثيراً، فمن ذلك قوله في آخر قصيدة طويلة يخاطب بها الممدوح، وهو أبو جعفر محمد بن حميد بن عبد الحميد الطوسي:

لا أنسين زمناً لـديك مـهـذبـاً

 

وظلال عيش كان عندك سجسج

في نعمة أوطنتها وأقمـت فـي

 

أفيائها فكأنني فـي مـنـبـج

 

وكان البحتري مقيماً في العراق في خدمة المتوكل والفتح بن خاقان، وله الحرمة التامة، فلما قتلا، كما هو مشهور في أمرهما، رجع إلى منبج، وكان يحتاج للترداد إلى الوالي بسبب مصالح أملاكه، ويخاطبه بالأمير لحاجته إليه، ولا تطاوعه نفسه إلى ذلك، فقال منها:

مضى جعفر والفتـح بـين مـرمـلٍ

 

وبين صبـيغ بـالـدمـاء مـضـرج

أأطلب أنصاراً على الدهر بـعـدمـا

 

ثوى منهما في الترب أوسي وخزرجي

أولئك ساداتي الـذين بـفـضـلـهـم

 

حلبت أفاويق الربـيع الـمـثـجـج

مضوا أممـاً وخـلـفـت بـعـدهـم

 

أخاطب بالتـأمـير والـي مـنـبـج

وذكر المسعودي في " مروج الذهب " أن هارون الرشيد اجتاز ببلاد منبج ومعه عبد الملك بن صالح وكان أفصح ولد العباس في عصره، فنظر إلى قصر مشيد وبستان معتمر بالأشجار كثير الثمار، فقال: لمن هذا؟ فقال: هو لك ولي بك يا أمير المؤمنين، وقال: كيف بناء هذا القصر؟ قال: دون منازل أهلي، وفوق منازل الناس. قال: فكيف مدينتك؟ قال: عذبة الماء باردة الهواء، صلبة الموطأ قليلة الأدواء، قال: فكيف ليلها؟ قال: سحر كله، انتهى كلام المسعودي.

وعبد الملك المذكور هو أبو عبد الرحمن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنه. وكانت منبج إقطاعاً له وكان مقيماً بها. وتوفي سنة تسع وتسعين ومائة بالرقة، رحمه الله تعالى. وله بلاغة وفصاحة أضربت عن ذكرها خوف الإطالة.

وذكر ياقوت الحموي في كتابه " المشترك ": باب السقيا خمسة مواضع، ثم قال في آخر هذا الباب: والخامس قرية على باب منبج ذات بساتين، وهي وقف على ولد البحتري الشاعر، وقد ذكرها أبو فراس بن حمدان في شعره.