هارون ابن المنجم

أبو عبد الله هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور، المنجم البغدادي الأديب الفاضل، - وقد تقدم ذكر ولده علي في حرف العين - وكان هارون المذكور حافظاً راوية الأشعار، حسن المنادمة لطيف المجالسة.

صنف كتاب " البارع " في أخبار الشعراء المولدين، وجمع فيه مائة وواحداً وستين شاعراً، وافتتحه بذكر بشار بن برد العقيلي، وختمه بمحمد بن عبد الملك بن صالح، واختار فيه من شعر كل واحد عيونه، وقال في أوله: إني لما عملت كتابي في أخبار الشعراء المولدين ذكرت ما اخترته من أشعارهم، وتحريت في ذلك الاختيار أقصى ما بلغته وانتهى إليه علمي، والعلماء تقول: دل على عاقل اختياره، وقالوا: اختيار الرجل من وفور عقله، وقال بعضهم: شعر الرجل قطعة من كلامه، وظنه قطعة من عقله، واختياره قطعة من علمه.

وطول الكلام في هذا، وذكر أن هذا الكتاب مختصر من كتاب ألفه قبل هذا في هذا الفن، وأنه كان طويلاً فحذف منه أشياء واقتصر على هذا القدر، وبالجملة فإنه من الكتب النفيسة، فإنه يغني عن دواوين الجماعة الذين ذكرهم، فإنه مخض أشعارهم وأثبت منها زبدتها وترك زبدها، وهذا الكتاب هو الذي ذكرته في ترجمة العماد الكاتب الأصبهاني وقلت: إن كتاب " الخريدة " وكتاب الحظيري والثعالبي فروع عليه، وهو الصل الذي نسجوا على منواله. وله كتاب " النساء وما جاء من الخبر ومحاسن ما قيل فيهن من الشعر والكلام الحسن " ولم أظفر له بشيء من الشعر حتى أورده. وذكر هو في كتابه " البارع " المذكور أباه أبا الحسن علي بن يحيى بن أبي منصور، وسرد له مقاطيع - وقد ذكرته في حرف العين فلينظر هناك - ثم أردفه بذكر أخيه يحيى بن علي بن يحيى، وعد له جملة مقاطيع أوردها، ولا حاجة بنا إلى ذكرها في هذا الموضع، بل نذكرها في ترجمته، إن شاء الله تعالى.

وتوفي أبو عبد الله المذكور سنةثمان وثمانين ومائتين، وهو حدث السن، رحمه الله تعالى، وسيأتي ذكر أخيه يحيى بن علي في حرف الياء إن شاء الله تعالى.

وكان أبو منصور جد أبيه منجم أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين، وكان مجوسياً.

وكان ابنه يحيى متصلاً بذي الرياستين الفضل بن سهل - المقدم ذكره - وكان الفضل يعمل برأيه في أحكام النجوم، فلما حدثت الكائنة على الفضل - حسبما ذكرناها في ترجمته - صار يحيى المذكور منجم المأمون ونديمه، فاجتباه واختص به، في الإسلام فأسلم على يده، فصار بذلك مولاه.

وهم اهل بيت منهم جماعة من الفضلاء والأدباء والشعراء، وجالسوا الخلفاء ونادموهم، وقد عقد لهم الثعالبي في كتاب " اليتيمة " باباً مستقلاً، وذكر فيه جماعة منهم، رحمهم الله تعالى.

وتوفي يحيى المذكور بحلب عند خروج المأمون إلى طرسوس، ودفن بها في مقابر قريش، فقبره هناك مكتوب عليه اسمه.