هبة الله البوصيري

أبو القاسم وابو الكرم، هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت بن هاشم بن غالب بن ثابت، الأنصاري الخزرجي، المنستيري الأصل، المصري المولد والدار، المعروف بالبوصيري، كان أديباً كاتباً له سماعات عالية وروايات تفرد بها وألحق الأصاغر بالأكابر في علو الإسناد، ولم يكن في آخر عصره في درجته مثله، وسمع بقراءة الحافظ أبي الطاهر السلفي وإبراهيم بن حاتم الأسدي على أبي صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني إمام الجامع العتيق بمصر، رحمهم الله تعالى أجمعين - والبوصيري المذكور آخر من روى في الدنيا كلها عن أبي صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني المذكور - وأبي الحسين علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي وأبي عبد الله محمد بن بركات هلال السعيدي النحوي سماعاً، وروى أيضاً عن أبي الفتح سلطان بن إبراهيم بن المسلم المقدسي، وهو آخر من روى عنه سماعاً في الأرض كلها، وسمع عليه الناس وأكثروا، ورحلوا إليه من البلاد. وكان جده مسعود قدم من المنستير إلى بوصير، فأقام بها إلى أن عرف فضله في دولة المصريين، فطلب إلى مصر، وكتب في ديوان الإنشاء وولد له علي والد أبي القاسم المذكور بمصر، واستقروا بها وشهروا.

وكان أبو القاسم يسمى " سيد الأهل " أيضاً، لكن هبة الله أشهر، وكانت ولادته سنة ست وخمسمائة بمصر، وقيل بل ولد يوم الخميس خامس ذي القعدة سنة خمسمائة. وتوفي في الليلة الثانية من صفر سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، ودفن بسفح المقطم، رحمه الله تعالى، وقال ياقوت الحموي في كتاب البلدان المشتركة الأسماء: إنه مات في شوال رحمه الله تعالى.

والخزرجي: بفتح الخاء المعجمة وسكون الزاي وفتح الراء وبعدها جيم، هذه نسبة إلى الخزرج، وهو أخو الأوس - بفتح الهمزة وسكون الواو وبعدها سين مهملة - وهما ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء، وتمام النسب معروف، وهما ابنا قيلة - بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح اللام وبعدها هاء ساكنة - ومن ذريتهما أنصار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

والمنستير: بضم الميم وفتح النون وسكون السين المهملة وكسر التاء المثناة من فوقها وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء، وهي بليدة بإفريقية، بناها هرثمة بن أعين الهاشمي في سنة ثمانين ومائة. وكان هارون الرشيد قد ولاه إفريقية، وقدم إليها يوم الخميس لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر سنة تسع وسبعين ومائة، وقد تقدمت الحوالة على هذا الموضع في ترجمة الأمير تميم بن المعز بن باديس.

وبوصير: بضم الباء الموحدة وسكون الواو وكسر الصاد المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء، وتعرف ببوصير قوريدس، يقال كوريدس وهي بليدة بأعمال البهنسا من صعيد مصر، وقد تقدم الكلام في ترجمة عبد الحميد الكاتب على بوصير الفيوم، وبالجيزة أيضاً بليدة يقال لها بوصير السدر، وبكورة السمنودية أيضاً بليدة يقال لها بوصير، فهذا الاسم يشترك فيه أربعة بلاد، والكل بالديار المصرية.

والمنستير معبد بين المهدية وسوسة يأوي إليه الصالحون المنقطعون للعبادة، وفيه قصور شبيهة بالخانقاهات وعلى تلك القصور سور واحد، ذكره ياقوت في كتابه، والله أعلم.