ياقوت الموصلي

أبو الدر ياقوت بن عبد الله الموصلي الكاتب، الملقب أمين الدين، المعروف بالملكي، نسبة إلى السلطان أبي الفتح ملكشاه بن سلجوق بن محمد بن ملكشاه الأكبر، نزل بالموصل، وأخذ النحو عن أبي محمد سعيد بن المبارك المعروف بابن الدهان النحوي، وقرأ عليه ديوان المتنبي والمقامات الحريرية وغير ذلك.

وكتب الكثير وانتشر خطه في الآفاق وكان في نهاية الحسن، ولم يكن في آخر زمانه من يقاربه في حسن الخط ولا يؤدي طريقة ابن البواب في النسخ مثله، مع فضل غزير ونباهة تامة، وكان مغرىً بنقل " الصحاح " للجوهري، فكتب منها نسخاً كثيرة، كل نسخة في مجلد واحد، رأيت منها عدة نسخ، وكل نسخة تباع بمائة دينار، وكتب عليه خلق كثير وانتفعوا به، وكانت له سمعة كبيرة في زمانه، وقصده الناس من البلاد، وسير إليه من بغداد النجيب أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي بكر الواسطي قصيدة مدحه بها ولم يكن رآه، بل على السماع به، وهي قصيدة جيدة في بابها، ووصف حسن خطه فأبلغ، وهي:

أين الغزلان عالج والمـصـلـى

 

من ظباء سكن نهر المـعـلـى

أبتلك الكثـبـان أغـصـان بـانٍ

 

وبدور من أفقهـا تـتـجـلـى

أم لتلك الغزلان حـسـن وجـوهٍ

 

لو تراءت للحزن أصبح سهـلا

أين حوذانها من النـرجـس الـغ

 

ض إذا ناجز النسيم اسـتـقـلا

أين ذلك العرار من صبغة الـور

 

د إذا جـاده الـغـمـام وطـلا

أبجرعـائهـا كـواكـب نـارن

 

ج دنا في غصونـه فـتـدلـى

أنقـيب لـمـاء دجـلة كـفـؤ

 

كذب القاسطون حـاشـا وكـلا

ألدار السلام في الأرض شـبـه

 

معجز أن ترى لبغـداد مـثـلا

كل يومٍ تبدي وجوهاً خـلاف ال

 

أمس حسناً كأنما هي حـبـلـى

وصبايا يصبـو الـحـلـيم إلـيه

 

ن إذا ما خطـرن شـكـلاً ودلا

يعتصبن العصائب الـنـاصـريا

 

ت فيحللن منك عـقـداً وحـلا

ليس يرقـبـن فــيك إلا ولا يع

 

رفن شيئاً غير " الصحـاح " وإلا

مربع للـقـلـوب فـيه ربـيع

 

متـوالٍ إذا الـربـيع تـولـى

بلدة يستفاد فيهـا الـمـعـالـي

 

والمعاني علمـاً وجـداً وهـزلا

لم يفتها من الكـمـال سـوى يا

 

قوت لو أنها بـه تـتـحـلـى

من لها أن يضوع النشر أمين الـد

 

ين فيها وحسبهـا ذاك فـضـلا

لو رجت أن يزورها لانبرى الصا

 

مت فيها يقول: أهلا وسـهـلا

بحر جود لـه الأكـارم تـتـلـو

 

وجواد عنه المكـارم تـتـلـى

جامع شـارد الـعـلـوم ولـولا

 

ه لكانت أم الفضـائل ثـكـلـى

ذو يراع تخاف صـولـتـه الأس

 

د وتعنـو لـه الـكـتـائب ذلا

وإذا افتـر ثـغـره عـن سـوادٍ

 

في بياضٍ فالبيض والسمر خجلى

يقظ في حراسة المـلـك لا يع

 

مل سهماً ولا يجـرد نـصـلا

إنما يبـعـث الـبـلاغة أرسـا

 

لاً إذا كانت الصحـائف رسـلا

فيعيد الجبار مـمـتـلـئاً خـو

 

فاً لما قد أمل فيهـا وأمـلـى

وتـراه طـوراً يجـــيل يديه

 

بقداح العلوم فصلاً فـفـصـلا

مثل وشي الرياض أو كنظيم ال

 

در يزهى خطاً ولفظاً ونـقـلا

فاتـئد يا مـريد مـثـل أمـين

 

الدين مهلاً أتعبت نفسك مهـلا

سيدي يا أخا السماح وظـئر ال

 

مجد وابن العلى ورب المعلـى

أنت بدر والكاتـب ابـن هـلال

 

كأبيه لا خير فـيمـن تـولـى

إن يكن أولاً فإنكـط بـالـتـف

 

ضيل أولى، لقد سبقت وصلـى

يا أمين الدين الذي جـمـع الـل

 

ه به السماح والفضل شـمـلا

أنا من قادة الثنـاء إلـى حـب

 

ك حتـى يظـل لا يتـسـلـى

وإذا أسجل الـثـنـاء بـقـاصٍ

 

صار فيه أخو الشهـادة عـدلا

فارض بكراً ما راض قط أبوها

 

فكره بابنة ليخـطـب بـعـلا

لا جزاء يريد عـنـهـا ولا أج

 

راً ولكن رآك للـمـدح أهـلا

ودعـاه إلـيك داعـــي وداد

 

جاء يبغي من حسن رأيك وصلا

وإذا ما تعذر القرب فـالـقـل

 

ب كفـيل بـه ورأيك أعـلـى

فابق واسلم ما جرد الأفق جيشـاً

 

من ظلام وجرد الصبح نصـلا

وتوفي أمين الدولة المذكور بالموصل سنة ثماني عشرة وستمائة، وقد أسن وتغير خطه من الكبر، رحمه الله تعالى.