يحيى بن يعمر النحوي

أبو سليمان، وقيل أبو سعيد، يحيى بن يعمر العدواني الوشقي النحوي البصري؛ كان تابعياً، لقي عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، ولقي غيرهما، وروى عنه قتادة بن دعامة السدوسي وإسحاق بن سويد العدوي. وهو أحد قراء البصرة، وعنه أخذ عبد الله بن أبي إسحاق القراءة، وانتقل إلى خراسان، وتولى القضاء بمرو، وكان عالماً بالقرآن الكريم والنحو ولغات العرب وأخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي - المقدم ذكره - يقال إن أبا الأسود لما وضع باب الفاعل والمفعول به زاد فيه رجل من بني ليث أبواباً ثم نظر فإذا كلام العرب ما لا يدخل فيه فأقصر عنه، فيمكن أن يكون هو يحيى بن يعمر المذكور إذ كان عداده في بني ليث لأنه حليف لهم. وكان شيعياً من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم.

حكى عاصم بن أبي النجود المقرئ - المقدم ذكره - أن الحجاج بن يوسف الثقفي بلغه أن يحيى بن يعمر يقول: إن الحسن والحسين رضي الله عنهما من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحيى يومئذ بخراسان، فكتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم والي خراسان - وقد تقدم ذكره أيضاً - أن ابعث إلي بيحيى بن يعمر، فبعث إليه، فقام بين يديه، فقال: أنت الذي تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لألقين الأكثر منك شعراً أو لتخرجن من ذلك، قال: فهو أماني إن خرجت؟ قال: نعم، فإن الله جل ثناؤه يقول: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا، ونوحاً هديناً من قبل، ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى) الآية (الأنعام: قال: وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد صلوات الله عليه وسلامه، فقال له الحجاج: ما أراك إلا قد خرجت، والله لقد قرأتها وما علمت بها قط، وهذا من الاستنباطات البديعة الغريبة العجيبة، فلله دره، ما أحسن ما استخرج وأدق ما استنبط! قال عاصم: ثم إن الحجاج قال له: أين ولدت؟ فقال: بالبصرة، قال: أين نشأت؟ قال: بخراسان، قال: فهذه العربية أنى هي لك؟ قال: رزق، قال: خبرني عني هل ألحن؟ فسكت، فقال: أقسمت عليك، فقال: أما إذ سألتني أيها الأمير فإنك ترفع ما يوضع وتضع ما يرفع، فقال: ذلك والله اللحن السيئ؛ قال: ثم كتب إلى قتيبة: إذا جاءك كتابي هذا فاجعل يحيى بن يعمر على قضائك والسلام.

وروى ابن سلام عن يونس بن حبيب قال: قال الحجاج ليحيى بن يعمر أتسمعني ألحن؟ قال: في حرف واحد، قال: في أي؟ قال: في القرآن، قال: ذلك أشنع، ثم قال: ما هو؟ قال تقول (قل إن كان آباؤكُم وأبناؤكُم - إلى قوله إليكُم) التوبة: فتقرؤها بالرفع، قال ابن سلام: كأنه لما طال الكلام نسي ما ابتدأ به، فقال الحجاج: لا جرم لا تسمع لي لحناً، قال يونس: فألحقه بخراسان وعليها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، والله أعلم أي ذلك كان.

قال ابن الجوزي في كتاب " شذور العقود ": في سنة أربع وثمانين للهجرة نفى الحجاج يحيى ابن يعمر لأنه قال له: هل ألحن؟ فقال: تلحن لحناً خفياً، فقال: أجلتك ثلاثاً، فإن وجدتك بعد بأرض العراق قتلتك، فخرج.

وحكى أبو عمرو نصر بن علي بن نوح بن قيس قال: حدثنا عثمان بن محصن قال: خطب أمير البصرة فقال: اتقوا الله فإنه من يتق الله فلا هورات عليه، فلم يدروا ما قال الأمير، فسألوا يحيى بن يعمر فقال: الهورات الضياع، يقول: من اتقى الله فليس عليه ضياع، قال القزاز في كتاب " الجامع " الهورات المهالك، واحدها هورة، قال الراوي: فحدثت بهذا الحديث الأصمعي فقال: هذا شيء لم أسمع به قط حتى كان الساعة منك، ثم قال: إن كلام العرب لواسع، لم أسمع بذا قط.

وحكى الأصمعي قال: حدثنا أبي قال: كتب يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وهو بخراسان إلى الحجاج بن يوسف كتاباً يقول فيه: إنا لقينا العدو فاضطررناهم إلى عرعرة الجبل، ونحن بالحضيض، فقال الحجاج: ما لابن المهلب ولهذا الكلام؟ فقيل له: إن ابن يعمر عنده، فقال: فذاك إذا.

وكان يحيى بن يعمر يعمل الشعر وهو القائل:

أبى الأقوام إلا بغض قومي     قديماً أبغض الناس السمينا

وقال خالد الحذاء: كان لابن سيرين منقوط نقطه يحيى بن يعمر، وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلف؛ وأخباره ونوادره كثيرة؛ وتوفي سنة تسع وعشرين ومائة، رحمه الله تعالى.

ويعمر: بفتح الياء المثناة من تحتها والميم وبينهما عين مهملة وفي الأخير راء، وقيل بضم الميم، والأول أصح وأشهر، ويعمر - بفتح الميم - مضارع قولهم عمر الرجل، بفتح العين وكسر الميم، إذا عاش زمناً طويلاً، وإنما سمي بذلك تفاؤلاً بطول العمر، كما سمي يحيى بذلك أيضاً.

والعدواني: بفتح العين المهملة والواو وبينهما دال مهملة ساكنة وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى عدوان، واسمه الحارث بن عمرو بن قيس عيلان وإنما قيل له " عدوان " لأنه عدا على أخيه فهم فقتله.

والوشقي: بفتح الواو وسكون الشين المعجمة وبعدها قاف، هذه النسبة إلى وشقة بن عوف بن بكر بن يشكر بن عدوان المذكور.