أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزدي القرطبي، الملقب سابق الدين؛ أحد الأئمة المتأخرين في القراءات وعلوم القرآن الكريم والحديث والنحو واللغة وغير ذلك.
خرج من الأندلس في عنفوان شبابه وقدم ديار مصر، فسمع بالإسكندرية أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي، وبمصر أبا صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المدني المصري وأبا طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني المعروف بالسلفي وغيرهم. ودخل بغداد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وقرأ به القرآن الكريم على الشيخ أبي محمد عبد الله بن علي المقرئ المعروف بابن بنت الشيخ أبي منصور الخياط، وسمع عليه كتباً كثيرة منها كتاب سيبويه، وقرأ الحديث على أبي بكر محمد بن عبد الباقي البزار المعروف بقاضي المارستان وأبي القاسم ابن الحصين وأبي العز ابن كادش وغيرهم.
وكان ديناً ورعاً عليه وقار وهيبة وسكينة، وكان ثقة صدوقاً ثبتاً نبيلاً قليل الكلام كثير الخير مفيداً، أقام بدمشق مدة، واستوطن الموصل ورحل عنها إلى أصبهان، ثم عاد إلى الموصل، وأخذ عنه شيوخ ذلك العصر؛ وذكره الحافظ ابن السمعاني في كتاب " الذيل " وقال: إنه اجتمع به بدمشق، وسمع منه مشيخة أبي عبد الله الرازي، وانتخب عليه أجزاء، وسأله عن مولده، فقال: ولدت في سنة ست وثمانين وأربعمائة بمدينة قرطبة من ديار الأندلس، ورأيت في بعض الكتب أن مولده سنة سبع وثمانين، والأول أصح.
وكان شيخنا القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم المعروف بابن شداد قاضي حلب رحمه الله تعالى يفتخر برؤيته وقراءته عليه -وسيأتي ذلك في ترجمته إن شاء الله تعالى - وقال: كنا نقرأ عليه بالموصل ونأخذ عنه.
وكنا نرى رجلاً يأتي إليه كل يوم فيسلم عليه وهو قائم، ثم يمد يده إلى الشيخ بشيء ملفوف، فيأخذه الشيخ من يده، ولا نعلم ما هو، ويتركه ذلك الرجل ويذهب، ثم تقفينا ذلك فعلمنا أنها دجاجة مسموطة، كانت برسم الشيخ في كل يوم يبتاعها له ذلك الرجل ويسمطها ويحضرها، وإذا دخل الشيخ إلى منزله تولى طبخها بيده. وذكر في كتابه الذي سماه " دلائل الأحكام " أنه لازم القراءة عليه إحدى عشرة سنة آخرها سنة سبع وستين وخمسمائة.
وكان الشيخ أبو بكر القرطبي المذكور كثيراً ما ينشد مسنداً إلى أبي الخير الكاتب الواسطي رواهما بالإسناد المتصل إليه أنهما له:
جرى قلم القضاء بما يكون |
|
فسيان التحرك والسكـون |
جنون منك أن تسعى لرزقٍ |
|
ويرزق في غشاوته الجنين |
وقال: أنشدنا أبو الوفاء عبد الباقي بن وهب بن حسان قال: أنشدنا أبو عبد الله محمد بن منيع بمصر لنفسه:
لي حيلة فـيمـن ينـم |
|
وليس في الكذاب حيله |
من كان يخلق ما يقـو |
|
ل فحيلتي فيه قليلـه |
وتوفي الشيخ أبو بكر المذكور بالموصل في يوم عيد الفطر من سنة سبع وستين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.