أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الإمام أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن منده بن الوليد بن منده بن بطه بن استندار بن جهار بخت بن فيرزان - واسم منده ابراهيم، ومنده لقب، وقيل إن اسم الفيرزان استندار، والله أعلم، العبدي؛ كان من من الحفاظ المشهورين وأحد أصحاب الحديث المبرزين - وقد سبق ذكر جده أبي عبد الله محمد في حرف الميم.
وهو أبو زكريا بن أبي عمرو بن أبي عبد الله بن أبي محمد بن أبي يعقوب من أهل أصبهان، وهو محدث ابن محدث ابن محدث ابن محدث. وكان جليل القدر وافر الفضل واسع الرواية، ثقة حافظاً فاضلاً مكثراً صدوقاً، كثير التصانيف، حسن السيرة بعيد التكلف، أوحد بيته في عصره. خرج التخاريج لنفسه ولجماعة من الشيوخ الأصبهانيين.
وسمع أبا بكر محمد بن عبد الله بن زيد الضبي وأبا طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم الكاتب وأبا منصور محمد بن عبد الله بن فضلويه الأصبهاني وأباه أبا عمرو وعميه أبا الحسن عبيد الله وأبا القاسم عبد الرحمن وأبا العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن النعمان القضاعي وأبا عبد الله محمد بن علي بن محمد الجصاص وأبا بكر محمد بن علي بن الحسين الجوزداني وأبا طاهر أحمد بن محمود الثقفي، ورحل إلى نيسابور وسمع بها أبا بكر أحمد بن منصور بن خلف المقرئ وأبا بكر بن الحسين البيهقي، وبهمذان أبا بكر محمد بن عبد الرحمن بن محمد النهاوندي، وبالبصرة أبا القاسم إبراهيم بن محمد بن أحمد الشاهد وعبد الله بن الحسين السعداني وجماعة كثيرة سواهم، وصنف " تاريخ أصبهان " وغيره من الجموع. ودخل بغداد حاجاً وحدث بها، وأملى بجامع المنصور، وكتب عنه الشيوخ منهم أبو الفضل محمد بن ناصر وعبد القادر بن أبي الجيلي وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي، في خلق كثير لشهرته وبيته، وروى عنه أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك النماطي الحافظ وأبو الحسن علي بن آبي تراب الزيكوني الخياط البغدادي وأبو طاهر يحيى بن عبد الغفار بن الصباغ وأبو الفضل محمد بن هبة بن العلاء الحافظ وجماعة كثيرة.
وذكره الحافظ ابن السمعاني في كتاب " الذيل " وقال: كتب الإجازة بجميع مسموعاته، ثم قال: سألت عنه أبا القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ، فأثنى عليه ووصفه بالحفظ والمعرفة والدراية، ثم قال: سمعت أبا بكر محمد بن أبي النصر بن محمد اللفتواني الحافظ يقول: بيت ابن منده بدئ بيحيى وختم بيحيى، يريد في معرفة الحديث والعلم والفضل.
وذكره الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي - المقدم ذكره - في " مساق تاريخ نيسابور " فقال: أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده رجل فاضل من بيت العلم والحديث المشهور في الدنيا، سافر وأدرك المشايخ وسمع منهم، وصنف على الصحيحين، وكان يروي بإسناده المتصل إلى بعض العلماء أنه قال: كثرة الضحك أمارة الحمق، والعجلة من ضعف العقل، وضعف العقل من قلة الرأي وقلة الرأي من سوء الأدب، وسوء الأدب يورث المهانة، والمجون طرف من الجنون، والحسد داء لا دواء له، والنمائم تورث الضغائن. وكان يروي بالإسناد المتصل إلى الأصمعي أنه قال: دخلت في البادية إلى مسجد، فقام الإمام يصلي فقرأ: (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه) نوح: وأرتج عليه، فجعل يرددها ويقول: (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه) فقال إعرابي من ورائه، وهو قائم يصلي: يا هذا، إن لم يذهب نوح فأرسل غيره.
وكان يحيى المذكور كثيراً ما ينشد لبعضهم:
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى |
|
وللمشتري دنياه بالدين أعجب |
وأعجب من هذين من باع دينه |
|
بدنيا سواه فهو من ذين أخيب |
وكانت ولادته في غداة يوم الثلاثاء تاسع عشر شوال سنة أربع وثلاثين وأربعمائة وتوفي يوم عيد النحر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بأصبهان، ومولده بها أيضاً، رحمه الله تعالى؛ ولم يخلف في بيت ابن منده بعده مثله.
وقال ابن نقطة في كتابه " إكمال الأكمال " توفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة من سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وذكر أن مولد أبيه عبد الوهاب سنة ست وثمانين وثلثمائة، وتوفي في جمادى الآخرة من سنة خمس وسبعين وأربعمائة رحمه الله تعالى.
وقد سبق الكلام على ضبط أسماء أجداده في ترجمة جده أبي عبد الله محمد.