يحيى بن معاذ الواعظ

أبو زكريا يحيى بن معاذ الواعظ، أحد رجال الطريقة، ذكره أبو القاسم القشيري في " الرسالة " وعده من جملة المشايخ وقال في حقه: " نسيج وحده في وقته، له لسان في الرجاء خصوصاً وكلام في المعرفة، خرج إلى بلخ وأقام بها مدة، ورجع إلى نيسابور ومات بها ".

ومن كلامه: كيف يكون زاهداً من لا ورع له؟ تورع عما ليس لك ثم ازهد فيما لك.

وكان يقول: الجوع للمريدين رياضة، وللتائبين تجربة، وللزهاد سياسة، وللعارفين مكرمة، والوحدة جليس الصديقين، والفوت أشد من الموت، لأن الفوت انقطاع عن الحق، والموت انقطاع عن الخلق. والزهد ثلاثة أشياء: القلة، والخلوة، والجوع. ومن خان الله في السر هتك ستره في العلانية.

وسمع إسحاق بن سليمان الرازي ومكي بن إبراهيم البلخي وعلي بن محمد الطنافسي، وروى عنه الغرباء من أهل الري وهمذان وخراسان أحاديث مسندة قليلة.

وذكره الخطيب في " تاريخ بغداد " فقال " قدم بغداد واجتمع إليه بها مشايخ الصوفية والنساك، ونصبوا له منصة وأقعدوه عليها وقعدوا بين يديه يتحاورون، فتكلم الجنيد فقال له يحيى: اسكت يا خروف، ما لك والكلام إذا تكلم الناس ".

وكان له إشارات وعبارات حسنة، فمن كلامه: الكلام الحسن حسن، وأحسن من الكلام معناه، وأحسن من معناه استعماله، وأحسن من استعماله ثوابه، وأحسن من ثوابه رضا من يعمل له.

ومن كلامه: حقيقة المحبة أن لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء. وكان يقول: من لم يكن ظاهره مع العوام فضة، ومع المريدين ذهباً، ومع العارفين المقربين دراً وياقوتاً، فليس من حكماء الله المريدين. وكان يقول: أحسن شيء كلام صحيح، من لسان فصيح، في وجه صبيح، كلام دقق، يستخرج من بحر عميق، على لسان رجل رفيق. وكان يقول: إلهي كيف أنساك وليس لي رب سواك؟ إلهي لا أقول لا أعود، لأنني أعرف من نفسي نقض العهود، ولكني أقول لا أعود لا أعود، لعلي أموت قبل أن أعود.

ومن دعائه: اللهم إن كان ذنبي قد أخافني، فإن حسن ظني بك قد أجارني، اللهم سترت علي في الدنيا ذنوباً إلى سترها في القيامة أحوج، وقد أحسنت بي إذا لم تظهرها لعصابة من المسلمين، فلا تفضحني في ذلك اليوم على رؤوس العالمين، يا أرحم الراحمين. ودخل على علوي ببلخ زائراً له ومسلماً عليه فقال له العلوي: أيد الله الأستاذ، ما تقول فينا أهل البيت؟ قال: ما أقول في طين عجن بماء الوحي، وغرس بماء الرسالة، فهل يفوح منهما إلا مسك الهدى وعنبر التقى؟ فحشى العلوي فاه بالدر، ثم زاره من الغد، فقال يحيى بن معاذ: إن زرتنا فبفضلك وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائراً ومزوراً.

ومن كلامه: ما بعد طريق إلى صديق، ولا استوحش في طريق من سلك فيه إلى حبيب. ومن كلامه: مسكين ابن آدم، لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.

وقال: ما صحت إرادة أحد قط فمات حتى حن إلى الموت واشتهاه اشتهاء الجائع إلى الطعام، لارتداف الآفات واستيحاشه من الأهل والإخوان، ووقوعه فيما يتحير فيه صريح عقله. وقال: من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يتصل إلى الجليل من العطاء. وقال: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تسره فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.

وقال: عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب، هيهات! أنت سكران بغير شراب ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك.وله في هذا الباب كل كلام مليح.

وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائتين بنيسابور، رحمه الله تعالى؛ وقال محمد بن عبد الله: قرأت على اللوح في قبر يحيى بن معاذ الرازي: مات حكيم الزمان يحيى بن معاذ الرازي، رحمه الله تعالى وبيض وجهه وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يوم الاثنين لست عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين ومائتين.