يزيد بن القعقاع القارئ

أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ، مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي عتاقة، ويعرف أبو جعفر المذكور بالمدني؛ أخذ القراءة عرضاً عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعن مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ وسمع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ومروان بن الحكم، ويقال قرأ على زيد بن ثابت رضي الله عنه، وروى القراءة عنه عرضاً نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم وسليمان بن مسلم بن جماز وعيسى بن وردان الحذاء وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وله قراءة.

قال أبو عبد الرحمن النائي: يزيد بن القعقاع ثقة، وكان يقرئ الناس بالمدينة قبل وقعة الحرة، وقال محمد بن القاسم المالكي: أبو جعفر يزيد بن القعقاع مولى أم سلمة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ويقال إنه جندب بن فيروز مولى عبد الله بن عياش المخزومي، وكان من أفضل الناس، وقال سليمان بن مسلم: أخبرني أبو جعفر يزيد بن القعقاع أنه كان يقرئ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحرة، وكانت الحرة على رأس ثلاث وستين سنة من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأخبرني أنه كان يمسك المصحف على مولاه عبد الله بن عياش، وكان من أقرأ الناس وكنت أرى كل يومٍ ما يقرأ وأخذت عنه قراءته، وأخبرني أنه أتى به إلى أم سلمة رضي الله عنها وهو صغير، فمسحت على رأسه ودعت له بالبركة، قال سليمان المذكور: وسألته متى أقرأت القرآن؟ فقال: أقرأت أو أقرأت؟ فقلت: لا بل أقرأت، فقال: هيهات قبل الحرة في زمان يزيد بن معاوية، وكانت الحرة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث وخمسين سنة.

وقال نافع بن أبي نعيم: لما غسل أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ بعد وفاته نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، فما شك أحد ممن حضره أنه نور القرآن.

وقال سليمان بن مسلم: أخبرني أبو جعفر يزيد بن القعقاع حين كان نافع يمر به فيقول: أترى هذا؟ كان يأتيني وهو غلام له ذؤابة فيقرأ علي ثم كفرني، وهو يضحك. قال سليمان، وقالت أم ولد أبي جعفر: إن ذلك البياض الذي كان بين نحره وفؤاده صار غرة بين عينيه. وقال سليمان: رأيت أبا جعفر بعد موته في المنام وهو على الكعبة فقلت له: أبا جعفر؟ قال: نعم اقرئ إخواني عني السلام، وأخبرهم أن الله تعالى جعلني من الشهداء الأحياء المرزوقين، واقرئ أبا حازم السلام وقل له: يقول لك أبو جعفر: الكيس الكيس، فإن الله عز وجل وملائكته يتراءون مجلسك بالعشيات.

وقال مالك بن أنس رحمه الله تعالى: كان أبو جعفر القارئ رجلاً صالحاً يفتي الناس بالمدينة.

وقال خليفة بن خياط: مات أبو جعفر يزيد بن القعقاع سنة اثنتين وثلاثين ومائة بالمدينة، وقال غيره: مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وقال أبو علي الأهوازي في أول كتاب " الإقناع " في القراءات، قال ابن جماز: ولم يزل أبو جعفر إمام الناس في القراءة إلى أن توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة بالمدينة، وقيل إنه توفي في سنة ثلاثين ومائة، والله أعلم.

قلت: وقد تكرر ذكر الحرة في هذه الترجمة في مواضع، وقد يتشوف إلى الوقوف على معرفة ذلك من لا علم له به.

والحرة في الأصل اسم لكل أرض ذات حجارة سود، فمتى كانت بهذه الصفة قيل لها حرة، والحرار كثيرة، والمراد بهذه الحرة حرة واقم، بالقاف المكسورة، وهي بالقرب من المدينة في جهتها - كان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في مدة ولايته قد سير إلى المدينة جيشاً مقدمه مسلم بن عقبة المري فنهبها، وخرج أهلها إلى هذه الحرة، فكانت الواقعة بها، وجرى فيها ما يطول شرحه وهو مسطور في التواريخ، حتى قيل إنه بعد وقعة الحرة ولدت أكثر من ألف بكر من أهل المدينة، ممن ليس لهن أزواج، بسبب ما جرى فيها من الفجور.

ثم إن مسلم بن عقبة المري لما قتل أهل المدينة وتوجه إلى مكة، نزل به الموت بموضع يقال له: ثنية هرشى، فدعا حصين بن نمير السكوني وقال له: يا برذعة الحمار، إن أمير المؤمنين عهد إلي إن نزل بي الموت أن أوليك، وأكره خلافه عند الموت. ثم إنه أوصى إليه بأمور يعتمدها ثم قال: لئن دخلت النار بعد قتلي أهل الحرة إني إذاً لشقي.

وأما واقم فإنه اسم أطم من آطام المدينة، والأطم: بضم الهمزة والطاء المهملة، شبيه بالقصر، وكان مبنياً عند هذه الحرة فأضيفت الحرة إليه، فقيل حرة واقم، والله أعلم.