يزيد بن حاتم المهلبي

أبو خالد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الآزدي. قد سبق ذكر بقية نسبه في ترجمة جده المهلب بن أب صفرة، قد ذكرت أخاه روح بن حاتم في حرف الراء، وعم أبيه يزيد بن المهلب، ومن ولده الوزير أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي - المقدم ذكره - وهم أهل بيت كبير، اجتمع فيه خلق كثير من الأعيان الأمجاد النجباء.

ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه أن الخليفة أبا جعفر المنصور عزل حميد بن قحطبة عن ولاية مصر، فولاها نوفل بن الفرات، ثم عزله وولى يزيد بن حاتم، وذلك في سنة ثلاث وأربعين ومائة، ثم إن المنصور عزله عن مصر في سنة اثنتين وخمسين ومائة، وجعل مكانه محمد بن سعيد؛ وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخه: ولي يزيد بن حاتم مصر في سنة أربع وأربعين ومائة، وزاد غيره: في منتصف ذي القعدة.

ثم إن المنصور خرج إلى الشام وزيارة بيت المقدس في سنة أربع وخمسين ومن هناك سير يزيد بن حاتم إلى إفريقية لحرب الخوارج الذين قتلوا عامله عمر بن حفص، وجهز معه خمسين ألف مقاتل، واستقر يزيد المذكور والياً بإفريقية من يومئذ، وكان وصوله إليها واستظهاره على الخوارج في سنة خمس وخمسين، ودخل مدينة القيروان في هذا التاريخ.

وكان جوادا سرياً مقصوداً ممدحاً، قصده جماعة من الشعراء فأحسن جوائزهم، وكان أبو أسامة ربيعة بن ثابت الأسدي الرقي، وقيل أنه إنه من موالي سليم، قد قصد يزيد بن أسيد، بضم الهمزة وفتح السين المهملة، ابن زافر ابن أسماء بن أسيد بن قنفذ بن جابر بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو يومئذ والٍ على أرمينية، وكان قد وليها زماناً طويلاً لأبي جعفر المنصور، ثم من بعده لولده المهدي، وكان يزيد المذكور من أشراف قيس وشجعانهم، ومن ذوي الآراء الصائبة، ومدحه ربيعة المذكور بشعر أجاد فيه، فقصر في حقه، ومدح يزيد بن حاتم المذكور، فبالغ في الإحسان إليه، فقال ربيعة قصيدة يفضل فيها يزيد بن حاتم على يزيد بن أسيد، وكان في لسان يزيد بن أسيد تمتعة، فعوض بذكرها في هذه الأبيات، فقال:

حلفت يمينـاً غـير ذي مـثـنـوية

 

يمين امـرئ آل بـهـا غـير آثـم

لشتان ما بين اليزيدين فـي الـنـدى

 

يزيد بن سليم والأغر ابـن حـاتـم

يزيد سليم سالم المـال، والـفـتـى

 

أخو الأزد للأموال غير مـسـالـم

فهم الفتـى الأزدي إتـلاف مـالـه

 

وهم الفتى القيسي جمع الـدراهـم

فلا يحسب التمتام أنـي هـجـوتـه

 

ولكنني فضلت أهـل الـمـكـارم

فيا أيها الساعي الذي ليس مـدركـاً

 

بمسعاته سعي البحور الخـضـارم

سعيت ولم تدرك نوال ابـن حـاتـم

 

لفكِّ أسير واحتـمـال الـعـظـائم

كفاك بناء المكرمـات ابـن حـاتـم

 

ونـمـت ومـا الأزدي بـنـــائم

فيا ابن أسيد لا تساهـم ابـن حـاتـم

 

فتقرع إن سـامـيتـه سـنَّ نـادم

هو البحر إن كلفت نفسك خـوضـه

 

تهالكت فـي آذيّه الـمـتـلاطـم

تمنيت مجداً فـي سـلـيمٍ سـفـاهة

 

أمانـي خـالٍ أو أمـانـي حـالـم

ألا إنـمـا آل الـمـهـلـب غـرة

 

وفي الحرب قادات لكم بالـخـزائم

هم الأنف في الخرطوم والناس بعدهم

 

مناسم. والخرطوم فوق المـنـاسـم

قضيت لكم آل المهلـب بـالـعـلا

 

وتفضيلكم حتى على كـل حـالـم

لكم شيم ليست لـخـلـقٍ سـواكـم

 

سماح وصدق البأس عن المـلاحـم

مهينون للأمـوال فـيمـا بـينـكـم

 

مناعيش دفاعون عـن كـل جـارم

 

قال دعبل بن علي الخزاعي - المقدم ذكره: قلت لمروان بن أبي حفصة الشاعر - وقد تقدم ذكره أيضاً-: يا أبا السمط، من أشعركم جماعة المحدثين؟ قال: أسيرنا بيتاً، قلت: ومن هو؟ قال: الذي يقول:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى

 

يزيد بن سليمٍ والأغر ابن حاتم

 

وكنت قد ذكرت بعض هذه الأبيات في ترجمة أخيه روح بن حاتم، ثم إني ظفرت بها أكمل من تلك فأحببت أن أفرد له ترجمة وأذكر ما جرى له، أن مثله لا يصلح لأن يكون ضميمة في ترجمة أخيه.


وكان ربيعة بن ثابت الرقي قد قصده قبل هذه المرة، فلم ير منه من الإحسان ما كان يرجوه، فنظم أبياتاً من جملتها:

أراني ولا كفران للّه راجعـاً

 

بخفي حنينٍ من نوال ابن حاتم

 

ولما عقد أبو جعفر المنصور ليزيد المهلبي المذكور على بلاد إفريقية وليزيد السلمي المذكور على ديار مصر خرجا معاً، فكان يزيد المهلبي يقوم بكفاية الجيشين فقال ربيعة الرقي المذكور:

يزيد الخير، إن يزيد قومي

 

سميك لا يجود كما تجـود

تقود كتيبةً ويقـود أخـرى

 

فترزق من تقود ومن يقود

 

قلت: وهذا يدل على أن ربيعة المذكور مولى بني سليم لقوله: " يزيد قومي "، والله أعلم.
وقدم أشعب المشهور بالطمع على يزيد وهو بمصر، فجلس في مجلسه، ودعا بغلامه فساره، فقام أشعب فقبل يده، فقال له يزيد: لم فعلت هذا؟ فقال: إني رأيتك تسار غلامك فظننت أنك أمرت لي بشيء، فضحك منه وقال: ما فعلت هذا ولكنني أفعل، ووصله وأحسن إليه. وقال الطرطوشي في كتاب " سراج الملوك " قال سحنون بن سعيد: كان يزيد بن حاتم حكيماً يقول: والله ما هبت شيئاً قط هيبتي لرجل ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله تعالى، فيقول: حسبك الله، الله بيني وبينك.


وذكر أبو سعد السمعاني في كتاب " الأنساب " أن المشهر التميمي الشاعر وفد على يزيد بن حاتم بإفريقية فأنشده:

إليك قصرنا النصف من صلواتنا

 

مسيرة شهر ثم شهرٍ نواصلـه

فلا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا

 

لديك، ولكن أهنأ البرِّ عاجلـه

 

فأمر يزيد بوضع العطاء في جنده وكان معه خمسون ألف مرتزق، فقال: من أحب أن يسرني فليضع هذا من عطائه درهمين، فاجتمع له مائة ألف درهم، وضم يزيد إلى ذلك مائة ألف درهم أخرى ودفعها إليه.


قلت: ثم وجدت البيتين المذكورين لمروان بن أبي حفصة، والله أعلم.


وقد ذكره الحافظ أبو القاسم المعروف بابن عساكر في " تاريخ دمشق " فقال بعد ذكر أحواله وولاياته: إن يزيد بن حاتم قال لجلسائه: استنقوا لي ثلاثة أبيات، فقال صفوان بن صفوان من بني الحارث بن الخزرج: أفيك؟ فقال: فيمن شئتم، فكأنها كانت في كمه:

لم أدر ما الجود إلا ما سمعت به

 

حتى لقيت يزيداً عصمة الناس

لقيت أجود من يمشي على قـدمٍ

 

مفضلاً برداء الجود والـبـاس

لو نيل بالجود مجد كنت صاحبه

 

وكـنـت أولـــى بـــه:

 

ثم كففت، فقال: أتمم، من آل عباس، فقلت: لا يصلح، فقال: لا يسمعن هذا منك أحد.


وقال يموت بن المزرع: قال لي الأصمعي يوماً، وقد جئته مسلماً إلى أن ذكر الشعراء المحسنين المداحين من المولدين، فقال لي: يا أبا عثمان، ابن المولى من المحسنين المداحين، ولقد أسهرني في ليلتي هذه حسن مديحه يزيد بن حاتم حيث يقول:

وإذا تباع كريمة أو تشتـرى

 

فسواك بائعها وأنت المشتري

وإذا تخيل من سحابك لامـع

 

سبقت مخيلته يد المستمطـر

وإذا صنعت صنيعةً اتممتهـا

 

بيدين ليس نداهما بمـكـدر

وإذا الفوارس عددت أبطالها

 

عدوك في أبطالهم بالخنصر

 

ولما قدم عليه ابن المولى المذكور أنشده وهو أمير مصر:

يا واحد العرب الـذي

 

أضحى وليس له نظير

لو كان مثـلـك آخـر

 

ما كان في الدنيا فقير

فدعا يزيد بخازنه وقال: كم في بيت مالي؟ قال: فيه من العين والورق ما مبلغه عشرون ألف دينار، فقال: ادفعها إليه، ثم قال: يا أخي، المعذرة إلى الله تعالى وإليك، والله لو أن في ملكي غيرها لما ادخرتها عنك، وهذا ابن المولى هو أبو عبد الله محمد بن مسلم، وعرف بابن المولى.

وروى الأصمعي أيضاً أن يزيد لما كان بإفريقية جاءه البشير يخبره أنه ولد له مولود بالبصرة، فقال: قد سميته المغيرة، وكان عنده المشهر التميمي فقال: بارك الله لك أيها الأمير فيه وبارك له في بنيه كما بارك لجده في أبيه.

ولم يزل والياً بإفريقية إلى أن توفي بها يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة سبعين ومائة بالقيروان، ودفن بباب سلم، واستخلف على إفريقية ولده داود بن يزيد فعزله هارون الرشيد في سنة اثنتين وسبعين ومائة، وولاها عمه روح بن حاتم - المقدم ذكره-.