يوسف بن وهرة الهمذاني

يوسف بن أيوب بن يوسف بن الحسين بن وهرة، أبو يعقوب الهمذاني الفقيه العالم الزاهد الجليل الرباني صاحب المقامات والكرامات؛ قدم بغداد في صباه بعد الستين وأربعمائة، ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي المقدم ذكره وتفقه عليه حتى برع في أصول الفقه والمذهب والخلاف، وسمع الحديث من القاضي أبي الحسين محمد بن علي ابن المهتدي بالله وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون، وأبي جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وطبقتهم، وسمع بأصبهان وسمرقند، وكتب أكثر ما سمعه ثم زهد في ذلك ورفضه، واشتغل بالزهد والعبادة والرياضة والمجاهدة حتى صار علماً من أعلام الدين يهتدي به الخلق إلى الله تعالى.

وقدم بغداد في سنة خمس عشرة وخمسمائة وحدث بها، وعقد بها مجلس الوعظ بالمدرسة النظامية وصادف بها قبولاً عظيماً من الناس، قال أبو الفضل صافي بن عبد الله الصوفي الشيخ الصالح: حضرت مجلس شيخنا يوسف الهمذاني في النظامية، وكان قد اجتمع العالم فقام فقيه يعرف بابن السقاء وآذاه وسأله عن مسألة، فقال له الإمام يوسف: اجلس فإني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك تموت على غير دين الإسلام؛ قال أبو الفضل: فاتفق أنه بعد هذا القول بمدة قدم رسول نصراني من ملك الروم إلى الخليفة، فمضى إليه ابن السقاء وسأله أن يستصحبه وقال له: يقع لي أن أترك دين الإسلام وأدخل في دينكم، فقبله النصراني، وخرج معه إلى القسطنطينية والتحق بملك الروم، وتنصر ومات على النصرانية.

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي في - تاريخ بغداد - في ترجمة يوسف الهمذاني المذكور: سمعت أبا الكرم عبد السلام بن أحمد المقرئ يقول: كان ابن السقاء قارئاً للقرآن الكريم مجوداً في تلاوته، حدثني من رآه بالقسطنطينية ملقىً على دكة مريضاً، وبيده خلق مروحة يدفع بها الذباب عن وجهه، قال فسألته: هل القرآن باق على حفظك؟ فقال: ما أذكر منه إلا آية واحدة " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين" الحجر - 2 - والباقي أنسيته، نعوذ بالله من سوء القضاء وزوال نعمته وحلول نقمته، ونسأله الثبات على دين الإسلام، آمين آمين آمين.

قال أبو سعد ابن السمعاني: يوسف بن أيوب الهمذاني من أهل بوزنجرد، قرية من قرى همذان مما يلي الري، الإمام الورع التقي المتنسك العامل بعلمه والقائم بحقه، صاحب الأحوال والمقامات الجليلة، وإليه انتهت تريية المريدين الصادقين، واجتمع برباطه بمدينة مرو جماعة من المنقطعين إلى الله تعالى ما لا يتصور أن يكون في غيره من الربط مثلهم، وكان من صغره إلى كبره على طريقة مرضية وسداد واستقامة، خرج من قريته إلى بغداد وقصد الإمام أبا إسحاق الشيرازي وتفقه عليه ولازمه مدة مقامه ببغداد حتى برع في الفقه وفاق أقرانه خصوصاً في علم النظر، وكان الشيرازي يقدمه على جماعة كثيرة من أصحابه مع صغر سنه، لعلمه بزهده وحسن سيرته واشتغاله بما يعينه. ثم ترك كل ما كان فيه من المناظرة وخلا بنفسه، واشتغل بما هو الأهم من عبادة الله تعالى ودعوة الخلق إليها وإرشاد الأصحاب إلى الطريق المستقيم، نزل مرو وسكنها، وخرج إلى هراة وأقام بها مدة، ثم سئل الرجوع إلى مرو في آخر عمره فأجاب ورجع إليها، وخرج إلى هراة ثانياً، وعزم على الرجوع إلى مرو في آخر عمره وخرج منها متوجهاً إلى مرو، فأدركته منيته بباميين بين هراة وبغشور في شهر ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وخمسمائة ودفن، ثم نقل بعد ذلك إلى مرو؛ وكان مولده تقديراً لا تحقيقاً في سنة أربعين أو إحدى وأربعين وأربعمائة ببوزنجرد، رحمه الله تعالى.

قلت: هذا كله نقلته من تاريخ ابن النجار المذكور مقتضباً، وفيه ألفاظ تحتاج إلى إيضاح.

أما وهرة: فهو بفتح الواو والهاء والراء وفي آخره هاء ثانية، وهو اسم جده المذكور ولا أعرف معناه العربي.

والقسطنطينية: بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء الثانية وسكون الياء المثناة من تحتها وكسر النون وفتح الياء الثانية وفي آخرها هاء ساكنة، وهي أعظم مدائن الروم، بناها قسطنطين ملك الروم، وهو أول من تنصر من ملوك الروم، فنسبت المدينة إليه.

وأما بوزنجرد: فهو بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الزاي والنون وكسر الجيم وسكون الراء وبعدها دال مهملة، وهي قرية من قرى همذان على مرحلة منها مما يلي ساوة، كذا قال أبو سعد السمعاني في كتاب - الأنساب -.
وأما مرو فقد تقدم الكلام عليها.

وأما باميين: بالباء الموحدة وبعد الألف ميم مفتوحة ثم ياء مثناة من تحتها مكسورة وبعدها ياء ثانية ساكنة ثم نون، فهي بليدة بخراسان كما ذكرها.

وهراة قد تقدم الكلام عليها وأنها إحدى كراسي خراسان فإنها أربعة: نيسابور وهراة ومرو وبلخ.

وبغشور: بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وضم الشين المعجمة وبعد الواو الساكنة راء، وهي بليدة بخراسان أيضاً بين مرو وهراة، وقد تقدم في ترجمة الحسين بن مسعود الفراء الفقيه البغوي أنه منسوب إليها.