يوسف النجيرمي

أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن خرزاذ النّجيرمي، اللغوي البصري نزيل مصر؛ هو من أهل بيت فيه جماعة من الفضلاء الأدباء ما منهم إلا من هو ماهر في اللغة كامل الأدوات متقن لها. روى أبو يعقوب المذكور عن أبي يحيى زكريا بن يحيى بن خلاّد الساجي وطبقته، وروى عنه أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي وغيره.

وكان يوسف أمثل أهل بيته، وله خط ليس بالجيد في الصورة، وهو في غاية الصحة، وكذلك خطوط جماعته قريبة منه، ولأهل مصر رغبة وتنافس كثير في خطه، حتى بلغت نسخة من - ديوان جرير - بخطه عشرة دنانير، وأكثر ما تروى الكتب القديمة في اللغة والأشعار العربية وأيام العرب في الديار المصرية من طريقه، فإنه كان راوية لها عارفاً بها. وكان أهل بيته يرتزقون بمصر من التجارة في الخشب.

وكان أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال السعيدي النحوي المصري قد أخذ اللغة من أصحاب أبي يعقوب المذكور، وأدرك أبا يعقوب ولم يأخذ عنه شيئاً لأنه رآه وهو صبي، قال الموفق أبو الحجاج يوسف بن الخلال المصري كاتب الإنشاء الآتي ذكره إن شاء الله تعالى قال لي ابن بركات: رأيت أبا يعقوب وهو ماش في طريق القرافة، وهو شيخ أسمر اللون كث اللحية مدور العمامة بيده كتاب وهو يطالع فيه في مشيته. وهذا الذي ذكره ابن بركات فيه نظر، فإن الحافظ أبا إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله المعروف بالحبال ذكره في كتاب "الوفيات" الذيجمعه فقال: توفي أبو يعقوب بن خرزاذ النجيرمي يوم الثلاثاء رابع المحرم سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. وقال غيره: ولد أبو يعقوب يوسف النجيرمي يوم عرفة من سنة خمس وأربعين وثلثمائة، رحمه الله تعالى؛ وابن بركات المذكور ولد بمصر في سنة عشرين وأربعمائة وتوفي بها في سنة عشرين وخمسمائة وكان نحوي مصر، هكذا قاله الموفق ابن الخلال المذكور، فكيف يمكن أن يرى أبا يعقوب، وقد كان ابن بركات في تاريخ وفاة النجيرمي في السنة الثالثة من عمره، لكن لعله رأى ولده، والله أعلم.
وقال القاضي الفاضل: ليس في شعر ابن بركات المذكور أحسن من هذين البيتين، وعملهما في مسافر العطار:

يا عنق الإبريق من فضةٍ

 

ويا قوام الغصن الرطب

هبك تجافيت فأقصيتنـي

 

تقدر أن تخرج من قلبي؟

وكان ابن بركات قد أخذ النحو عن ابن بابشاذ النحوي - المقدم ذكره في حرف الطاء - وذكره القاضي الرشيد بن الزبير في كتاب "الجنان" وأثنى عليه.

وخرّزاذ: بضم الخاء المعجمة والراء المشددة وبعدها زاي وبعد الألف ذال معجمة. قلت: هكذا يضبط أهل الحديث هذا الاسم، وهو لفظ أعجمي، وتفسير زاذ بالعربي ابن، وأما خرّ بتشديد الراء فليس له معنى، إلا أن يكون أهل العربية قد غيروه كما جرت عادتهم في ذلك، فيكون أصله خار بالألف وهو الشوك فيكون خارزاذ معناه ابن الشوك، وخرشيذ أيضاً الشمس، فإن كانوا أرادوا هذا وحذفوا - شيذ - فيحتمل، وعلى الجملة فإنهم يتلاعبون بالأسماء العجمية، والله أعلم بالصواب.

ثم وجدت في كتاب - البلدان - تأليف البلاذري في الفصل المتضمن حديث بلاد فارس وأعمالها أرض أردشير خره ثم قال: ومعنى أردشير خره ولد أردشير بها. قلت: وأردشير بن بابك بن ساسان أول ملوك الفرس كما هو مشهور بين الناس وعلى هذا يكون معنى خرزاذ: بها ولد، كما هو عادتهم في التقديم والتأخير، وتقدير الكلام ولد بها أي بالناحية أو غير ذلك، والله أعلم.

والنجيرمي: بفتح النون وكسر الجيم وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الراء وفي آخرها ميم، هذه النسبة إلى نجيرم، ويقال نجارم، قال أبو سعد السمعاني في كتاب - الأنساب - هي محلة بالبصرة؛ وقال غيره: هي قرية في برّ البصرة في طريق فارس عند سيراف، والله أعلم بالصواب، وكذا هي في كتب - المسالك والممالك - وهي على بحر فارس، وظاهر الحال أن جماعة من أهلها دخلوا البصرة وسكنوا هذا المحلة، فسميت باسم بلدهم، والله أعلم.