أبو محمد يوسف بن الحسن

أبو محمد يوسف بن الحسن السيرافي

أبو محمد يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي، النحوي اللغوي الأخباري، الفاضل ابن الفاضل، قد تقدم ذكر أبيه الحسن في حرف الحاء؛ كان أبو محمد المذكور عالماً بالنحو، وتصدر في مجلس أبيه بعد موته في التاريخ المذكور في ترجمته وخلفه على ما كان عليه، وقد كان يفيد الطلبة في حياة أبيه، وأكمل كتاب أبيه الذي سماه - الإقناع - وهو كتاب جليل نافع في بابه، فإن أباه كان قد شرح كتاب سيبويه كما تقدم في ترجمته وظهر له بالإطلاع والبحث في حال التصنيف ما لم يظهر لغيره ممن يعاني هذا الشأن، وصنف بعد ذلك - الإقناع - فكأنه ثمرة استفادته حال البحث والتصنيف، ومات قبل إتمامه فكمله ولده يوسف المذكور، وإذا تأمله المنصف لم يجد بين اللفظين والقصدين تفاوتاً كثيراً. ثم صنف يوسف المذكور عدة كتب في شرح أبيات استشهادات كتب مشهورة، مثل - شرح أبيات كتاب سيبويه - وهو الغاية في بابه وبسطه وشرح أبيات إصلاح المنطق وأجاد فيه، و"شرح أبيات المجاز لأبي عبيدة وأبيات معاني الزجاج"، وشرح أبيات غريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام، إلى غير ذلك. وكانت كتب اللغة تقرأ عليه مرة رواية ومرة دراية، وقرئ عليه كتاب - البارع - للمفضل بن سلمة، وهو كتاب كبير في عدة مجلدات هذب به كتاب - العين - في اللغة المنسوب إلى الخليل بن أحمد المقدم ذكره وأضاف إليه من اللغة طرفاً صالحاً.

ونقل من ظهر نسخة بكتاب - إصلاح المنطق -، قال أبو العلاء المعري: حدثني عبد السلام البصري خازن دار العلم ببغداد وكان لي صديقاً صدوقاً، قال: كنت في مجلس أبي سعيد السيرافي وبعض أصحابه يقرأ عليه - إصلاح المنطق - لابن السكيت، فمضى بيت حميد بن ثور:

ومطوية الأقراب، أما نهارها

 

فسبت، وأما ليلها فـذمـيل

 

فقال أبو سعيد - ومطوية - أصلحه بالخفض، ثم التفت إلينا فقال: هذه واو رب، فقلت: أطال الله بقاء القاضي، إن قبله ما يدل على الرفع، فقال: ما هو؟ فقلت:

أتاك بي الله أنزل الهدى

 

ونورُ وإسلامٌ عليك دليل

 

ومطوية الأقراب...


فعاد وأصلحه، وكان ابنه أبو محمد حاضراً فتغير وجهه لذلك فنهض لساعته ووقته والغضب يستطير في شمائله إلى دكانه، وكان سماناً، فباعها واشتغل بالعلم إلى أن برع فيه وبلغ الغاية، فعمل - شرح إصلاح المنطق -. قال أبو العلاء: وحدثني من رآه وبين يديه أربعمائة ديوان، وهو يعمل هذا الكتاب.


ولم يزل أمره على سداد واشتغال وإفادة إلى أن توفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثلثمائة، وعمره خمس وخمسون سنة وشهور، ودفن من الغد، وصلى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي، ذكر ذلك هلال بن المحسن ابن الصابي الكاتب في تاريخه، وقال غيره: مولده في سنة ثلاثين وثلثمائة، وتوفي يوم الاثنين لثلاث بقين من الشهر المذكور، والله أعلم، رحمه الله تعالى.


وكان ديناً صالحاً ورعاً متقشفاً، وكان بينه وبين أبي طالب أحمد بن بكر العبدي النحوي المقدم ذكره مباحث ومناظرات منقولة بين الناس، وليس هذا موضع ذكرها.


وقد تقدم الكلام في ترجمة أبيه علي السيرافي فلا حاجة إلى إعادته ها هنا، وقال ابن حوقل في كتاب - المسالك والممالك -: سيراف فرضة عظيمة لفارس، وهي مدينة جليلة، وأبنيتها ساج متصل إلى جبل يطل على البحر، وليس بها ماء ولا زرع ولا ضرع، وهي من أغنى بلاد فارس، بالقرب من جنابة ونجيرم، والله أعلم. ومن سيراف ينتهي الإنسان على ساحل البحر إلى حصن ابن عمارة، وهو حصن منيع على نحر البحر، وليس بجميع فارس حصن أمنع منه. ويقال إن صاحبه هو الذي قال الله تعالى في حقه "وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كل سفينة غصبا" - الكهف: 79 -.
وقال غير ابن حوقل: كان اسم هذا الملك الجلندى، بضم الجيم واللام وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها ألف، وإليه أشار بعضهم يخاطب بعض الظلمة:

كان الجلندي ظالماً

 

وأنت منه أظلـم

وقيل غير ذلك، والله أعلم.