يونس المخارقي

يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني ثم المخارقي، شيخ الفقراء اليونسية، وهم منسوبون إليه ومعروفون به، كان رجلاً صالحاً وسألت جماعة من أصحابه عن شيخه من كان فقالوا: لم يكن له شيخ، بل كان مجذوباً، وهم يسمون من لا شيخ له بالمجذوب، يريدون بذلك أنه جذب إلى طريق الخير والصلاح، ويذكرون له كرامات.

أخبرني الشيخ محمد بن أحمد بن عبيد، كان قد رآه وهو صغير، وذكر أن أباه أحمد كان صاحبه، فقال: كنا مسافرين والشيخ يونس معنا، فنزلنا في الطريق على عين بوار، وهي التي يجلب منها الملح البواري، وهي بين سنجار وعانة، قال: وكانت الطريق مخوفة، فلم يقدر أحد منا أن ينام من شدة الخوف ونام الشيخ يونس، فلما انتبه قلت له: كيف قدرت تنام؟ فقال لي: والله مانمت حتى جاء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وتدرك القفل. فلما أصبحنا رحلنا سالمين ببركة الشيخ يونس.

قال: وعزمت مرة على دخول نصيبين، وكنت عند الشيخ يونس في قريته، فقال: إذا دخلت البلد فاشتر لأم مساعد كفناً، قال: وكانت في عافية، وهي أم ولده، فقلت له: وما بها حتى نشتري لها كفناً؟ فقال: ما يضر، فذكر أنه لما عاد وجدها قد ماتت. وذكر له غير هذا من الأحوال والكرامات.

وأنشد له مواليا، وهو:

أنا حميت الحمى وانا سكنتو فـيه

 

وأنا رميت الخلايق في بحار التيه

من كان يبغي العطا مني أنا أعطيه

 

أنا فتى ما أداني من به تشـبـيه

وذكر لي الشيخ محمد المذكور أن الشيخ يونس توفي سنة تسع عشرة وستمائة في قريته، وهي القنية من أعمال دارا، وهي بضم القاف وفتح النون وتشديد الياء المثناة من تحتها، تصغير قناة، وقبره مشهور بها يزار، وكان قد ناهز تسعين سنة من عمره، رحمه الله تعالى.

قال المصنف ما مثاله: نجز الكتاب الذي سميته "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" بحمد الله ومنه، وذلك في يوم الإثنين العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وستمائة بالقاهرة المحروسة.

يقول الفقير إلى الله تعالى أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان مؤلف هذا الكتاب: إنني كنت قد شرعت في هذا الكتاب في التاريخ المذكور في أوله على الصورة التي شرحتها هناك، مع استغراق الأوقات في فصل القضايا الشرعية والأحكام الدينية بالقاهرة المحروسة، فلما انتهيت فيه إلى آخر ترجمة يحيى بن خالد بن برمك حصلت لي حركة إلى الشام المحروس في خدمة الركاب العالي المولوي السلطاني المجاهدي المرابطي المفاخري المؤيدي المنصوري الغيائي المنعمي المحسني الملكي الظاهري، ركن الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، أبي الفتح بيبرس قسيم أمير المؤمنين، خلد الله سلطانه، وشيد بدوام دولته قواعد الملك وثبت أركانه، وكان الخروج من القاهرة المحروسة يوم الأحد سابع شوال سنة تسع وخمسين وستمائة، ودخلنا دمشق يوم الإثنين سابع ذي القعدة من السنة المذكورة، وقلدني الأحكام بالبلاد الشامية يوم الخميس ثامن ذي الحجة من السنة المذكورة، فتراكمت الأشغال، وكثرت الموانع الصارفة عن إتمام هذا الكتاب، فاقتصرت على ما كنت قد أثبته من ذلك، وختمت الكتاب، واعتذرت في آخره بهذه الشواغل عن إكماله وقلت: إن قدر الله تعالى مهلة في الأجل وتسهيلاً في العمل، أستأنف كتاباً يكون جامعاً لجميع ما تدعو الحاجة إليه في هذا الكتاب. ثم حصل الانفصال عن الشام والرجوع إلى الديار المصرية، وكان مدة المقام بدمشق المحروسة مدة عشر سنين كوامل لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً، فإني دخلتها في التاريخ المذكور، وخرجت منها بكرة نهار الخميس ثامن ذي القعدة من سنة تسع وستين وستمائة. فلما وصلت إلى القاهرة صادفت بها كتباً كنت أوثر الوقوف عليها، وما كنت أتفرغ لها، فلما صرت أفرغ من حجام ساباط بعد أن كنت أشغل من ذات النحيين، كما يقال في هذين المثلين، طالعت تلك الكتب، وأخذت منها حاجتي ثم تصديت لإتمام هذا الكتاب حتى كمل على هذه الصورة، وأنا على عزم الشروع في الكتاب الذي وعدت به إن قدر الله تعالى ذلك، والله يعين عليه ويسهل الطرق المؤدية إليه، فمن وقف على هذا الكتاب من أهل العلم، ورأى فيه شيئاً من الخلل، فلا يعجل بالمؤاخذة فيه، فإني توخيت فيه الصحة حسبما ظهر لي، مع أنه كما يقال: أبى الله أن يصح إلا كتابه، لكن هذا جهد المقل، وبذل الاستطاعة، وما يكلف الإنسان إلا ما تصل قدرته إليه، وفوق كل ذي علم عليم، وقد تقدم في أول هذا الكتاب الاعتذار عن الدخول في هذا الأمر والحامل عليه، فأغنى عن إعادته ها هنا، والله يستر عيوبنا بستر كرمه الضافي، ولا يكدر علينا ما منحنا من مشرع اغضائه النمير الصافي، إن شاء الله تعالى.