ابن سينا

980 - 1037م 

ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، عالم فارسی مسلم اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. ولد في قرية (أفشنة) التركمانية قرب بخارى (في أوزبكستان حاليا) من أب من مدينة بلخ (في أفغانستان حاليا) و أم قروية سنة 370هـ وتوفي في مدينة همدان (في إيران حاليا) سنة 427هـ. عرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء و أبو الطب الحديث. وقد ألّف 450 كتاباً في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب.  

إن ابن سينا هو من أول من كتب عن الطبّ في العالم ولقد اتبع نهج أو أسلوب أبقراط وجالينوس. وأشهر أعماله كتاب الشفاء وكتاب القانون في الطب.

وجاء في وفيات الأعيان لابن خلكان قوله: ((هو الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا الحكيم المشهور؛ كان أبوه من أهل بلخ، وانتقل منها إلى بخارى، وكان من العمال الكفاة، وتولى العمل بقرية من ضياع بخارى يقال لها خرميثنا من أمهات قراها، وولد الرئيس أبو علي وكذلك أخوه بها، واسم أمه ستارة وهي من قرية يقال لها أفسنة بالقرب من خرميثنا. ولما ولد أبو علي كان الطالع السرطان درجة شرف المشتري والقمر على شرف درجته والزهرة على درجة شرفها وسهم السعادة في تسع من السرطان وسهم الغيب في أول السرطان مع سهيل والشعرى اليمانية. ثم انتقلوا إلى بخارى، وتنقل الرئيس بعد ذلك في البلاد، واشتغل بالعلوم وحصل الفنون، ولما بلغ عشر سنين من عمره كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهندسة والجبر والمقابلة، ثم توجه نحوهم الحكيم أبو عبد الله الناتلي، فأنزله أبو الرئيس أبي علي عنده، فابتدأ أبو علي يقرأ عليه كتاب إيساغوجي واحكم عليه علم المنطق وإقليدس والمجسطي وفاقه أضعافاً كثيرة، حتى أوضح له منها رموزاً وفهمه إشكالات لم يكن للناتلي يد بها، وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد، يقرأ ويبحث ويناظر، ولما توجه الناتلي نحو خوارزم شاه مأمون بن محمد اشتغل أبو علي بتحصيل العلوم كالطبيعي والإلهي وغير ذلك، ونظر في النصوص والشروح وفتح الله عليه أبواب العلوم، ثم رغب بعد ذلك في علم الطب وتأمل الكتب المصنفة فيه، وعالج تأدباً لا تكسباً، وعلمه حتى فاق فيه الأوائل والأواخر في أقل مدة وأصبح فيه عديم القرين فقيد المثل، واختلف إليه فضلاء هذا الفن وكبراؤه يقرؤون عليه أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة، وسنه إذ ذاك نحو ست عشرة سنة. وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة، وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع، وصلى ودعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له.

وذكر عند الأمير نوح بن نصر الساماني صاحب خراسان في مرض مرضه فأحضره وعالجه حتى برئن واتصل به وقرب منه، ودخل إلى دار كتبه وكانت عديمة المثل، فيها من كل فن من الكتب المشهورة بأيدي الناس وغيرها مما لا يوجد في سواها ولا سمع باسمه فضلاً عن معرفته، فظفر أبو علي فيها يكتب من علم الأوائل وغيرها وحصل نخب فوائدها واطلع على أكثر علومها، واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة، فتنفرد أبو علي بما حصله من علومها، وكان يقال: إن أبا علي توصل إلى إحراقها لينفرد بمعرفة ما حصله منها وينسبه إلى نفسه.

ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها، وتوفي أبوه وسن أبي علي اثنتان وعشرون سنة، وكان يتصرف هو ووالده في الأحوال ويتقلدان للسلطان الأعمال.

ولما اضطربت أمور الدولة السامانية خرج أبو علي من بخارى إلى كركانج، وهي قصبة خوارزم، واختلف إلى خوارزم شاه علي بن مأمون بن محمد، وكان أبو علي على زي الفقهاء ويلبس الطيلسان، فقرروا له في كل شهر ما يقوم به، ثم انتقل إلى نسا وأبيورد وطوس وغيرها من البلاد، وكان يقصد حضرة الأمير شمس المعالي قابوس بن وشمكير في أثناء هذه الحال، فلما أخذ قابوس وحبس في بعض القلاع حتى مات-كما سيأتي شرحه في ترجمته في حرف القاف من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى-ذهب أبو علي إلى دهستان ومرض بها مرضاً صعباً، وعاد إلى جرجان، وصنف بها الكتاب الأوسط-ولهذا يقال له "الأوسط الجرجاني"-واتصل به الفقيه أبو عبيد الجوزجاني، واسمه عبد الواحد، ثم انتقل إلى الري واتصل بالدولة، ثم إلى قزوين ثم إلى همذان، وتولى الوزارة لشمس الدولة، ثم تشوش العسكر عليه، فأغاروا على داره ونهبوها وقبضوا عليه وسألوا شمس الدولة قتله فامتنع، ثم أطلق فتوارى، ثم مرض شمس الدولة بالقولنج فأحضره لمداواته واعتذر إليه وأعاده وزيراً، ثم مات شمس الدولة وتولى تاج الدولة فلم يستوزره، فتوجه إلى أصبهان وبها علاء الدولة أبو جعفر ابن كاكويه، فأحسن إليه.

وكان أبو علي قوي المزاج، وتغلب عليه قوة الجماع حتى أنهكته ملازمته وأضعفته ولم يكن يداوي مزاجه، وعرض له قولنج، فحقن نفسه في يوم واحد ثماني مرات فقرح بعض أمعائه وظهر له سحج، واتفق سفره مع علاء الدولة، فحصل له الصرع الحادث عقيب القولنج، فأمر باتخاذ دانقين من كرفس في جملة ما يحقن به، فجعل الطبيب الذي يعالجه فيه خمسة دراهم منه، فازداد السحج به من حدة الكرفس فطرح بعض غلمانه في بعض أدويته شيئاً كبيراً من الأفيون، وكان سببه أن غلمانه خانوه في شيء، فخافوا عاقبة أمره عند برئه؛ وكان مذ حصل له الألم يتحامل ويجلس مرة بعد أخرى ولا يحتمي ويجامع، فكان يمرض أسبوعاً ويصلح أسبوعاً، ثم قصد علاء الدولة همذان من أصبهان ومعه الرئيس أبو علي، فحصل له القولنج في الطريق ووصل إلى همذان وقد ضعف جداً وأشرفت قوته على السقوط، فأهمل المداواة وقال: المدبر الذي في بدني قد عجز عن تدبيره فلا تنفعني المعالجة، ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم على من عرفه وأعتق مماليكه وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات في التاريخ الذي يأتي في آخر ترجمته إن شاء الله تعالى.

وكان نادرة عصره في علمه وذكائه وتصانيفه، وصنف كتاب "الشفاء" في الحكمة، و"النجاة" و"الإشارات" و"القانون" وغير ذلك مما يقارب مائة مصنف ما بين مطول ومختصر ورسالة في فنون شتى، وله رسائل بديعة: منها رسالة "حي بن يقظان" ورسالة "سلامان وابسال" ورسالة "الطير" وغيرها، وانتفع الناس يكتبه، وهو أحد فلاسفة المسلمين)).

بحث ابن سينا في أمراض شتى، أهمها السكتة الدماغية، التهاب السحايا، الشّلل العضوي، الشلل الناجم عن إصابة مركز في الدماغ، عدوى السل الرئوي، انتقال الأمراض التناسلية، الشذوذ في تصرفات الإنسان والجهاز الهضمي. وميّز مغص الكلى من مغص المثانة وكيفية استخراج الحصاة منهما، كما ميّز التهاب البلورة (غشاء الرئة) والتهاب السحايا الحاد من التهاب السحايا الثانوي. 

برز في دراسة العقم وعلاقة ذلك بالأحوال النفسية بين الزوجين، وتحدث عن السرطان ومعالجته، وخالف أبقراط في وجوب الامتناع عن معالجته إذ قال: "والسرطان إذا استؤصل في أول أعراضه شفي المريض منه". وبحث في التحليل النفسي. وبحث ابن سينا أيضاً كما بحث ابن الهيثم في سبب تكون الجنين وعلة تكونه في الرحم، ذكرا كان أم أنثى، وعن خروجه من الرحم، وتشريح جسم الإنسان، والعظام، والفم، والغضاريف، والأنف وغير ذلك. 

اكتشف ابن سينا الطفيلية المعوية والدودة المستديرة ووصفها بدقة في كتاب القانون، وهي التي تسمى حديثا "الأنكلستوما"، وبيّن أنها تسبب داء اليرقان. 

كما وصف السل الرئوي وبيّن أن عدواه تنتشر عن طريقي الماء والتراب ووصف الجمرة الخبيثة. 

وقد درس الحواس وبيّن ارتباطها ومكانها في الدماغ، كما استفاض في موضوع العين وكيفية الإبصار والرؤية. 

وتجدر الإشارة إلى أن كتاب ابن سينا "القانون" ظلّ يُدرّس في كليات الطب الأوروبية لأكثر من ستة قرون، واعتبر أهم مرجع طبي عالمي لفترة طويلة. 

وكتابه "القانون في الطب" يضم خمسة كتب:

الكتاب الأول: الأمور الكلية في الطب.

الكتاب الثاني: الأدوية المفردة .

الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية.

الكتاب الرابع: الأمراض التي لا تختص بعضو بعينه.

الكتاب الخامس: الأدوية المركبة والأقراباذين. 

يعتبر الفكر الفلسفي لأبو علي ابن سينا امتداد لفكر لفارابي وأخذ عن الفارابي فلسفته الطبيعية وفلسفته الإلهية أي تصوره للموجودات وتصوره للوجود وأخذ منه على الأخص نظرية الصدور وطوّر نظرية النفس وهو أكثر ما عني به. 

أهمية ابن سينا تكمن في نظريته في النفس وأفكاره في فلسفة النفس، مقدمات ابن سينا في النفس هي مقدمات أرسطية. تعريف ابن سينا للنفس: النفس كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة أي من جهة ما يتولد (وهذا مبدأ القوة المولدة) ويربو (وهذا مبدأ القوة المنمية) ويتغذى (وهذا مبدأ القوة الغاذية) وذلك كله ما يسميه بالنفس النباتية. وهي كمال أول من جهة ما يدرك الجزئيات ويتحرك بالإرادة وهذا ما يسميه بالنفس الحيوانية. وهي كمال أول من جهة ما يدرك الكليات ويعقل بالاختيار الفكري وهذا ما يسميه النفس الإنسانية. شرح التعريف: ونعني في التعريف السابق أن النفس عند ابن سينا 3 نباتية/حيوانية/إنسانية. كمال أول: تعني مبدأ أول ذي حياة بالقوة: يعني لدينا جسم مستعد وطبيعي لتقبل الحياة مبادئ النفس النباتية: تنمو وتتوالد وتتغذى ولا يفعل النبات أكثر من ذلك. مبادئ النفس الحيوانية: تدرك الجزئيات (مثلا يدرك أفعى أمامه/ إنسان أمامه) يتحرك بالإرادة أي فيه إرادة توجهه (مثلا الأسد بإرادته ممكن أن يقفز على إنسان ويبتلعه). مبادئ النفس الإنسانية: تدرك الكليات، اختيار فكري أي الحرية الفكرية التي نتوجه لها للاختيار من بين بدائل مختلفة. تصور ابن سينا لأصل النفس: 1- من أين جاءت/ 2- علاقة النفس بالبدن/ 3- مصير النفس. المسألة غامضة عند ابن سينا ولكن ربما قصيدته العينية هي التي تعبر أكثر من غيرها عن رأي ابن سينا في المسائل الثلاث. قصيدته مكونة من4 أقسام لدى قراءتها تتضح الإجابة على الثلاث أسئلة السابقة. 

لابن سينا مؤلفات تضم عدة مواضيع: 

في الفلسفة: هناك كتاب الإشارات والتنبیهات : في كتابه كتاب الإشارات الذي ذهب فيه مذهب أرسطو وقربه قليلاً إلى الأديان، وكان يقول بقدم العالم وإنكار المعاد ونفي علم الله وقدرته وخلقه العالم وبعثه من في القبور، وكان ابن سينا ذهب مذهب الفلاسفة من امثال الفارابي أبي نصر التركي الفيلسوف، وكان الفارابي يقول بالمعاد الروحاني لا الجثماني، ويخصص بالمعاد الأرواح العالمة لا الجاهلة، وله مذاهب في ذلك يخالف المسلمين والفلاسفة من سلفه الأقدمين، واعاد تلك الفكرة ابن سينا ونصره، وقد رد عليه الغزالي في تهافت الفلاسفة في عشرين مجلساً له كفَّره في ثلاث منها وهي قوله بقدم العالم، وعدم المعاد الجثماني، وقوله إِنَّ الله لا يعلم الجزئيات، وبدّعه في البواقي. وكان اتباعه يدعون بـ "الألى" وقالوا مقالته ومن اشهرهم النصير الطوسي واسمه محمد بن عبد الله ويقال له الخواجا نصير الدين، الذ انتصر لمذهب ابن سينا والذب عنه وشرح إشاراته وكان يسميها "قرآن الخاصة"، ويسمي كتاب الله تعالى "قرآن العامة"، ورد على الشهرستاني في مصارعته ابن سينا بكتاب سماه مصارعة المصارع.   

كتاب الشفاء . 

- العلوم الآلية وتشتمل على كتب المنطق، وما يلحق بها من كتب اللغة والشعر و العلوم و الطب، ومن آثاره اللغوية: أسباب حدوث الخروف. 

- العلوم النظرية وتشتمل على كتب العلم الكلّي، والعلم الإلهي، والعلم الرياضي. 

- في العلوم العملية وتشتمل على كتب الأخلاق، وتدبير المنزل، وتدبير المدينة، والتشريع. 

- في العلوم الأصلية: فروع وتوابع، فالطب مثلاً من توابع العلم الطبيعي، والموسيقى وعلم الهيئة من فروع العلم الرياضي. كتب الطب أشهر كتب ابن سينا الطبية كتاب القانون الذي ترجم وطبع عدّة مرات: والذي ظل يُدرس في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن التاسع عشر. ومن كتبه الطبية أيضاً كتاب الأدوية القلبية، وكتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية، وكتاب القولنج، ورسالة في سياسة البدن وفضائل الشراب، ورسالة في تشريح الأعضاء، ورسالة في الفصد، ورسالة في الأغذية والأدوية. ولإبن سينا أراجيز طبية كثيرة منها: أرجوزة في التشريح، وأرجوزة المجربات في الطب والألفية الطبية المشهورة التي ترجمت وطبعت. ولإبن سينا كتاب نفيس في الطب هو " القانون"، جمع فيه ما عرفه الطب القديم وما ابتكره هو من نظريات واكتشفه من أمراض، وقد جمع فيه أكثر من سبعمائة وستين عقارا مع أسماء النباتات التي يستحضر منها العقار. وبحث ابن سينا في أمراض شتى أهمها السكتة الدماغية، التهاب السحايا والشلل العضوي، والشلل الناجم عن إصابة مركز في الدماغ، وعدوى السل الرئوي، وانتقال الأمراض التناسلية، والشذوذ في تصرفات الإنسان والجهاز الهضمي. وميز مغص الكلى من مغص المثانة وكيفية استخراج الحصاة منهما كما ميز التهاب البلورة ( غشاء الرئة ) والتهاب السحايا الحاد من التهاب السحايا الثانوي. 

- في الرياضيات: من آثار ابن سينا الرياضية رسالة الزاوية، ومختصر إقليدس، ومختصر الارتماطيقي، ومختصر علم الهيئة، ومختصر المجسطي، ورسالة في بيان علّة قيام الأرض في وسط السماء. طبعت في مجموع (جامع البدائع)، في القاهرة سنة 1917 م. 

- في الطبيعيات: جمعت طبيعيات ابن سينا في الشفاء والنجاة وما نجده في خزائن الكتب من الرسائل ليس سوى تكملة لما جاء في هذه الكتب. ومن هذه الرسائل: رسالة في إبطال أحكام النجوم، ورسالة في الأجرام العلوية، وأسباب البرق والرعد، ورسالة في الفضاء، ورسالة في النبات والحيوان. 

- في الموسيقى: مقالة جوامع علم الموسيقى، مقالة الموسيقى، مقالة في الموسيقى. ولقد الف ابن سينا أكثر من 24 مقطوعة موسيقية 

- في الطب:

كتاب القانون في الطب :ترجم وطبع عدّة مرات و ظل يُدرس في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن التاسع عشر.

كتاب الأدوية القلبية

كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية

كتاب القولنج

رسالة في سياسة البدن وفضائل الشراب

رسالة في تشريح الأعضاء

رسالة في الفصد

رسالة في الأغذية والأدوية

- أراجيز طبية:

أرجوزة في التشريح

أرجوزة المجربات في الطب

الألفية الطبية المشهورة التي ترجمت وطبعت  

المراجع: كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان، كتاب القانون في الطب لابن سينا