الكتاب الأول: الأمور الكلية في الطب - الفن الأول: حد الطب وموضوعاته من الأمور الطبيعية - التعليم الخامس: ماهية العضو وأقسامه - ثالثا: العصب

العصب

الجملة الثالثة العضل وهي ستّة فصول

الفصل الأول
كلام في العصب خاص

منفعة العصب: منها ما هو خاص بالذات، ومنها ما هو بالعرض، والذي بالذات إفادة الدماغ بتوسطها لسائر الأعضاء حبسًّا وحركة. والدي بالعرض، فمن ذلك تشديد اللحم وتقوية البدن، ومن ذلك الإشعار بما يعرض من الآفات للأعضاء العديمة الحسّ، مثل الكبد والطحال والرئة، فإنّ هذه الأعضاء وإن فقدت الحس، فقد أجرى عليها لفافة عصبيّة وغشيت بغشاء عصبيّ فإذا ورمت أو تمدّدت بريحَ بادي، ثقل الورم، أو تفريق الريح إلى اللفافة والى أصلها فعرض لها من الثقل انجذاب ومن الريح تمدد فأحس به. والأعصاب مبداها على الوجه المعلوم هو الدماغ. ومنتهى تفرّقها هو الجلد، فإن الجلد يخالطه ليف رقيق منبث فيه أعصاب من الأعضاء المجاورة له، والدماغ مبدأ العصب على وجهين، فانه مبدأ لبعض العصب بذاته، ومبدأ لبعضه بوساطة النخاع السائل منه. والأعصاب المنبعثة من الدماغ نفسه لا يستفيد منها الحس والحركة، إلاّ أعضاء الرأس والوجه والأحشاء الباطنة، وأما سائر الأعضاء فإنما تستفيدهما من أعصاب النخاع وقد دل" جالينوس" على عناية عظيمة تختص بما ينزل من الدماغ إلى الأحشاء من العصب، فإن الصانع جل ذكره احتاط في وقايتها احتياطاً لم يوجبه في سائر العصب، وذلك لأنها لما بعدت من المبدأ وجب أن ترفد بفضل توثيق، فغشاها بجرم متوسط بين العصب والغضروف في قوامه مشاكل لما يحدث في جرم العصب عند الالتواء، وذلك من مواضع ثلاثة: أحدها عند الحنجرة، والثاني إذا صار إلى أصول الأضلاع، والثالث إذا جاوز موضع الصدر والأعصاب الدماغية الأخرى، فما كان المنفعة فيه إفادة الحسّ أنفذ من مبعثه على الاستقامة إلى العضو المقصود، إذ كانت الاستقامة مؤدية إلى المقصود من أقرب الطرق، وهناك يكون التأثير الفائض من المبدأ أقوى، إذ كانت الأعصاب الحسية لا يراد فيها من التصليب المحوح إلى التبعيد عن جوهر الدماغ بالتعريج ليبعد عن مشابهته في اللين بالتدريج ما يراد في أعصاب الحركة، بل كلما كانت ألين كانت لقوة الحس أشدّ تأدية.

وأما الحركية فقد وجهت إلى المقصد بعد تعاريج تسلكها لتبعد عن المبدأ وتندرج في التصليب. وقد أعان كل واحد من الصنفين على الواجب منه من التصلّب والتليين جوهر منبته إذ كان جل ما يفيد الحس منبعثاً من مقدم الدماغ. والجزء الذي هو مقدم الدماغ ألين قواماً، وجلّ ما يفيد الحركة منبعثاً من مؤخر الدماغ، والجزء الذي هو مؤخر الدماغ أثخن قواماً.

الفصل الثاني
تشريح العصب الدماغي ومسالكه

قد تنبت من الدماغ أزواج من العصب سبعة: فالزوج الأوّل مبدؤه من غور البطنين المقدمين من الدماغ عند جواز الزائدتين الشبيهتين بحلمتي الثدي اللتين بهما الشمّ، وهو عظيم مجوف يتيامن النابت منهما يساراً ويتياسر النابت منهما يميناً، ثم يلتقيان على تقاطع صليبي، ثم ينفذ النابت يميناً إلى الحدقة اليمنى، والنابت يساراً إلى الحدقة اليسرى، وتتسع فوهاتهما حتى تشتمل على الرطوبة التي تسمّى زجاجية. وقد ذكر غير "جالينوس " أنهما ينفذان على التقاطع الصليبي من غير انعطاف وقد ذكر لوقوع هذا التقاطع منافع ثلاث: إحداها: ليكون الروح السائلة إلى إحدى الحدقتين غير محجوبة عن السيلان إلى الأخرى إذا عرضت لها آفة، ولذلك تصير كل واحدة من الحدقتين أقوى أبصاراً إذا غمضت الأخرى، وأصفى منها لو لحظت، والأخرى لا تلحظ، ولهذا ما تزيد النقبة العنبية اتساعاً إذا غمضت الأخرى، وذلك لقوة اندفاع الروح الباصر إليها.
والثانية: أن يكون للعينين مؤدّى واحد يؤديان إليه شبح المبصر فيتحد هناك ويكون الإبصار بالعينين إبصاراً واحداً ليمثل الشبح في الحد المشترك، ولذلك يعرض للحول أن يروا الشيء الواحد شيئين عندما تزول إحدى الحدقتين إلى فوق، أو إلى أسفل، فيبطل به استقامة نفوذ المجرى إلى التقاطع، ويعرض قبل الحد المشترك حد لإنكار العصبة.

والثالثة: لكي تستدعم كل عصبة بالأخرى وتستند إليها وتصير كأنها تنبت من قرب الحدقة. والزوج الثاني من أزواج العصب الدماغي منشؤه خلف منشأ الزوج، الأول ومائلا" عنه إلى الوحشيّ ويخرج من الثقبة التي في النقرة المشتملة على المقلة فينقسم في عضل المقلة. وهذا الزوج غليظ جداً ليقاوم غلظه لينه الواجب لقربه من المبدأ فيقوى على التحريك وخصوصاً إذ لا معين له، إذ الثالث مصروف إلى تحريك عضو كبير هو الفك الأسفل فلا يفضل عنه فضلة بل يحتاج إلى معين غيره كما نذكره.

وأما الزوج الثالث: فمنشؤه الحدّ المشترك بين مقدم الدماغ ومؤخره من لدن قاعدة الدماغ وهو يخالط أولاً الزوج الرابع قليلا" يفارقه ويتشعب أربع شعب: شعبة تخرج من مدخل العرق السباتي الذي نذكره بعد وتأخذ منحدرة عن الرقبة حتى تجاوز الحجاب، فتتوزعّ في الأحشاء التي دون الحجاب. والجزء الثاني مخرجه من ثقب في عظم الصدغ، وإذا انفصل اتصل بالعصب المنفصل من الزوج الخامس الذي سنذكر حاله، وشعبة تطلع من الثقب الذي يخرج منه الزوج الثاني إذ كان مقصده الأعضاء الموضوعة قدام الوجه، ولم يحسن أن ينفذ في منفذ الزوج الأول المجوف فيزاحم أشرف العصب ويضغطه، فينطبق التجويف. وهذا الجزء إّذا انفصل انقسم ثلاثة أقسام.

قسم يميل إلى ناحية الماَق ويتخلص إلى عضل الصدغين والماضغين والحاجب والجبهة والجفن. والقسم الثاني ينفذ في الثقب المخلوق عند اللحاظ حتى يخلص إلى باطن الأنف فيتفرق في الطبقة المستبطنة للأنف. والقسم الثالث: وهو قسم غير صغير ينحدر في التجويف البريخي المهيأ في عظم الوجنة فيتفرعّ إلى فرعين: فرع منه يأخذ إلى داخل تجويف الفم فيتوزع في الأسنان. أما حصة الأضراس منها فظاهرة، وأما حصة سائرها فكل يخفى عن البصر ويتوزع أيضاً في اللثة العليا. والفرع الآخر ينبت في ظاهر الأعضاء هناك مثل جلدة الوجنة وطرف الأنف والشفة العليا. فهذه أقسام الجزء الثالث من الزوج الثالث.

وأما الشعبة الرابعة من الزوج الثالث، فتتخلص نافذة في ثقبة في الفك الأعلى إلى اللسان فتتفرّق في طبقته الظاهرة وتفيده الحسّ الخاص به، وهو الذوق، وما يفضل من ذلك يتفرق في غمور الأسنان السفلى ولثاتها وفي الشفة السفلى والجزء الذي يأتي اللسان أدق من عصب العين لأن صلابة هذا لين ذلك يعادل غلظ ذلك ودقة هذا.

وأما الزوج الرابع: فمنشؤه خلف الثالث، وأميل إلى قاعدة الدماغ ويخالط الثالث كما قلنا ثم يفارقه ويخلص إلى الحنك فيؤتيه الحس، وهو زوج صغير، إلا أنه أصلب من الثالث، لأنّ الحنك وصفاق الحنك أصلب من صفاق اللسان.

وأما الزوج الخامس: فكل فرد منه ينشقّ بنصفين على هيئة المضاعف بل عند أكثرهم كل فرد منه زوج، ومنبته من جانبي الدماغ.

والقسم الأول من كل زوج منه يعمد إلى الغشاء المتبطن للصماخ فيتفرّق فيه كلّه.

وهذا القسم منبته بالحقيقة من الجزء المؤخر من الدماغ، وبه حس السمع. وأما القسم الثاني، وهو أصغر من الأول، فإنه يخرج من الثقب المثقوب في العظم الحجري، وهو الذي يسمى الأعور والأعمى لشدة التوائه وتعريج مسلكه إرادة لتطويل المسافة وتبعيد اَخرها عن المبدأ ليستفيد العصب قبل خروجه منه بعد أمن المبدأ لتتبعه صلابة، فإذا برز اختلط بعصب الزوج الثالث فصار أكثرهما إلى ناحية الخدّ والعضلة العريضة وصار الباقي منهما إلى عضل الصدغين، وإنما خلق الذوق في العصبة الرابعة والسمع في الخامسة، لأن آلة السمع احتاجت إلى أن تكون مكشوفة غير مسدود إليها سبيل الهواء، وآلة الذوق وجب أن تكون محرزة، فوجب من ذلك أن يكون عصب السمع أصلب، فكان منبته من مؤخر الدماغ أقرب وإنما اقتصر في عضل العين على عصب واحد وكثر أعصاب عضل الصدغين لأن ثقبة العين احتاجت إلى فضل سعة لاحتياج العصبة المؤدية لقوة البصر إلى فضل غلظ لإحتياجها إلى التجويف، فلم يحتمل العظم المستقر لضبط المقلة ثقوباً كثيرة، وأما عصب الصدغين فاحتاجت إلى فضل صلابة فلم تحتج إلى فضل غلظ، بل كان الغلظ مما يثقل عليها الحركة، وأيضاً المخرج الذي لها في عظم حجري صلب يحتمل ثقوباً عديدة.

وأما الزوج السادس فإنه ينبت من مؤخر الدماغ متصلاً بالخامس مشدودا" معه بأغشية وأربطة كأنهما عصبة واحدة ثم يفارقها ويخرج من الثقب الذي في منتهى الدرز اللامي، وقد انقسم قبل الخروج ثلاثة أجزاء، ثلاثتها تخرج من ذلك الثقب معاً، فقسم منه يأخذ طريقه إلى عضل الحلق وأصل اللسان ليعاضد الزوج السابع على تحريكها.

والقسم الثاني ينحدر إلى عضل الكتف وما يقاربها ويتفرّق أكثره في العضلة العريضة التي على الكتف، وهذا القسم صالح المقدار وينفذ معلقاً إلى أن يصل مقصده.

وأما القسم الثالث، وهو أعظم الأقسام الثلاثة، فإنه ينحدر إلى الأحشاء في مصعد العرق السباتي ويكون مشدوداً إليه مربوطاً به فإذا حاذى الحنجرة تفرعت منه شعب وأتت العضل الحنجرية التي رؤوسها إلى فوق التي تشيل الحنجرة وغضاريفها، فإذا جاوزت الحنجرة صعد منها شعب تأتي العضل المتنكسة التي رؤوسها إلى أسفل، وهي التي لا بد منها في إطباق الطرجهاري وفتحه، إذ لا بد من جذب إلى أسفل، ولهذا يسمى العصب الراجع. وإنما أنزل هذا من الدماغ لأن النخاعية لو أصعدت لصعدت موربة غير مستقيمة من مبدئها فلم يتهيأ الجذب بها إلى أسفل على الإحكام، وإنما خلقت من السادس لأن ما فيه من الأعصاب اللينة والمائلة إلى اللين ما كان منها قبل السادس فقد توزع في عضل الوجه والرأس، وما فيهما، والسابع لا ينزل على الاستقامة نزول السادس بل يلزمه تورب لامحالة.

ولما كان قد يحتاج الصاعد الراجع إلى مستند محكم شبيه بالبكرة ليدور عليه الصاعد متأيداً به وأن يكون مستقيماً وضعه صلباً قوياً أملس موضوعاً بالقرب، فلم يكن كالشريان العظيم، الصاعد من هذه الشعب ذات اليسار يصادف هذا الشريان وهو مستقيم غليظ فينعطف عليه من غير حاجة إلى توثيق كثير.

وأما الصاعد ذات اليمين فليس يجاوره هذا الشريان على صفته الأولى بل يِجاوره وقد عرضت له دقة لتشعب ما تشعب منه وفاتته الإستقامة في الوضع إذا تورب مائلاً إلى الإبط فلم يكن بد من توثيقه بما يستند عليه بأربطة تشد الشعب به ليتدارك بذلك ما فات من الغلظ والاستقامة في الوضع. والحكمة في تبعيد هذه الشعب الراجعة، هي أن تقارب مثل هذا المتعلق وأن تستفيد بالتباعد عن المبدأ قوة وصلابة وأقوى العصب الراجع هو الذي يتفرق في الطبقتين من عضل الحنجرة مع شعب عصب معينة، ثم سائر هذا العصب ينحدر فيتشعب منه شعب تفرق في أغشية الحجاب والصدر وعضلاتها وفي القلب والرئة والأوردة والشرايين التي هناك، وباقيه ينفذ في الحجاب فيشارك المنحدر من الجزء الثالث ويتفرقان في أغشية الاحشاء وتنتهي إلى العظم العريض.

وأما الزوج السابع فمنشؤه من الحدّ المشترك بين الدماغ والنخاع ويذهب أكثره متفرقاً في العضل المحركة للسان والعضل المشتركة بين الدرقي والعظم اللامي وسائره قد يتفق أن يتفرق في عضل أخرى مجاورة لهذه العضل، ولكن ليس ذلك بدائم ولما كانت الأعصاب الأخرى منصرفة إلى واجبات أخرى، ولم يكن يحسن أن تكثر الثقب فيما يتقدم ولا من تحت كان الأولى أن تأتي حركة اللسان عصب من هذا الموضع إذ قد أتى حسّه من موضع آخر.

الفصل الثالث
تشريح عصب نخاع العنق ومسالكه

العصب النابت من النخاع السالك من فقار الرقبة ثمانية أزواج: زوج مخرجه من ثقبتي الفقرة الأولى، ويتفرق في عضل الرأس وحدها، وهو صغير دقيق إذ كان الأحوط في مخرجه أن يكون ضيقاً على ما قلنا في باب العظام.

والزوج الثاني: مخرجه ما بين الثقبة الأولى والثانية أعني الثقبة المذكورة في باب العظام، ويوصل أكثره إلى الرأس حسّ اللمس بأن يصعد مورباَ إلى أعلى الفقار وينعطف إلى قدام وينبت على الطبقة الخارجة من الأذنيين، فيتدارك تقصير الزوج الأوّل لصغره .وقصوره عن الانبثاث والانبساط في النواحي التي تليه بالتمام، وباقي هذا الزوج يأتي العضل التي خلف العنق والعضلة العريضة فيؤتيها الحركة.

والزوج الثالث: منشؤه ومخرجه من الثقبة التي بين الثانية والثالثة، ويتفرع كل واحد فرعين فرع يتفرق في عمق العضل التي هناك منه شعب وخصوصاً المقلبة للرأس مع العنق، ثم يصعد إلى شوك الفقار، فإذا حاذاها تشبث بأصولها، ثم ارتفع إلى رؤوسها وخالطه أربطة غشائية تنبت من تلك السناسن، ثم ينفذان منعطفين إلى جهة الأذنين، وفي غير الإنسان ينتهي إلى الأذنين فيحرّك عضل الأذنين والفرع الثاني يأخذ إلى قدام حتى يأتي العضلة العريضة، وأوّل ما يصعد يلتف به عروق وعضل تكتنفه ليكون أقوى في نفسه وقد يخالط أيضاً عضل الصدغين وعضل الأذنين في البهائم، وأكثر تفرقه إنما هو في عضل الخدين.

وأما الزوج الرابع: فمخرجه من الثقبة التي بين الثالثة والرابعة، وينقسم كالذي قبله إلى جزء مقدم، وجزء مؤخر. والجزء المقدّم منه صغير ولذلك يخالط الخامس وقيل أنه قد ينفذ منه شعبة كنسج العنكبوت ممتدّة على العرق السباتي إلى أن يأتي الحجاب الحاجز ماراً على شقي الحجاب المنصف للصدر. والجزء الأكبر مه ينعطف إلى خلف فيغور في عمق العضل حتى يخلص إلى السناسن، ويرسل شعبان إلى العضل المشترك بين الرأس والرقبة يأخذ طريقه منعطفاً إلى قدام، فيتصل بعضل الخد والأذنين في البهائم، وقد قيل إنه ينحدر منه إلى الصلب .

وأما الزوج الخامس: فمخرجه من الثقبة التي بين الرابع والخامس، ويتفرعّ أيضاً فرعين: وأحد الفرعين وهو المقدم، هو أصغرهما يأتي عضل الخدين وعضل تنكيس الرأس وسائر العضل المشتركة للرأس والرقبة. و الفرع الثاني ينقسم إلى شعبتين: شعبة هي المتوسّطة بين الفرع الأول وبين الشعبة الثانية يأتي أعالي الكتف ويخالطه شيء من السادس والسابع، والشعبة الثانية تخالط شعباً من الخامس والسادس والسابع، وتنفذ إلى وسط الحجاب.

وأما الزوج السادس والسابع والثامن: فإنها تخرج من سائر الثقب على الولاء، والثامن مخرجه في الثقبة المشتركة بين آخر فقار الرقبة وأوّل فقار الصلب، وتختلط شعبها اختلاطاً شديداً، لكن أكثر السادس يأتي السطح من الكتف، وبعض منه أكثر البعض الذي من الرابع وأقل من البعض الذي للخامس يأتي الحجاب، والسابع أكثره يأتي العضد، وإن كان من شعبه ما تأتي عضل الرأس والعنق والصلب مصاحبة لشعبة الخامس، وتأتي الحجاب، وأما الثامن فبعد الإختلاط والمصاحبة يأتي جلد الساعد والذراع وليس منه ما يأتي الحجاب، لكن الصائر من السادس إلى ناحية اليد لا يجاوز الكتف، ومن السابع لا يجاوز العضد، وأما الذي يجيء للساعد من الكتف، فهو من الثامن مخلوطاً بأول النوابت من فقار الصدر، وإنما قسم للحجاب من هذه الأعصاب دون أعصاب النخاع التي تحت هذه ليكون الوارد عليه منحدراً من مشرف فيحسن انقسامه فيه وخصوصاً إن كان أول مقصده هو الغشاء المنصف للصدر ولم يمكن أن يأتيه عصب النخاع على استقامة من غير انكسار بزاوية، ولو كان جميع العصب المنحدر إلى الحجاب نازلاً من الدماغ لكان يطول مسلكه، وإنما جعل متّصل هذه الأعصاب من الحجاب وسطه لأنه لم يكن يحسن انبثاثها وانتشارها فيه على عدل وسوية لوا اتصلت بطرف دون الوسط، أو كانت تتّصل بجميع المحيط وكان ذلك ناكساً لمجرى الواجب، إذ كانت العضل إنما تفعل التحريك بأطرافها، ثم المحيط هو المتحرّك من الحجاب، فوجب أن يكون انتهاء العصب إليه لا ابتداؤه. ولما وجب أن تأتي الوسط وجب تعلقها ضرورة، فوجب أن تحمى وتغشى وقاية فغشيت وقاية حامية بصحبة من الغشاء المنصف للصدر وترك متكئاً عليه. ولما كان فعل هذا العضو فعلاً كريماً جعل لعصبه مبادٍ كثيرة لئلاّ يبطل بآفة تلحق المبدأ الواحد.

الفصل الرابع
تشريح عصب فقار الصدر

الأوّل من أزواجه، مخرجه بين الأولى والثانية من فقار الصدر وينقسم إلى جزأين، أعظمهما يتفرق في عضل الأضلاع وعضل الصلب، وثانيهما يأتي ممتدًا على الأضلاع الأول فيرافق ثامن عصب العنق ويمتدان معاً إلى اليدين حتى يوافيا الساعد والكف. والزوج الثاني يخرج من الثقبة التي تلي الثقبة المذكورة فيتوجه جزء منه إلى ظاهر العضد ويفيده الحس وباقيه مع سائر الأزواج الباقية يجتمع فينحو نحو عضل الكتف الموضوعة عليه المحرّكة لمفصله وعضل الصلب، فما كان من هذا العصب نابتاً من فقار الصدر، فالشعب التي لا تأتي الكتف منه تأتي عضل الصلب، والعضل التي فيما بين الأضلاع الخلص والموضوعة خارج الصدر وما كان منبته من فقار أضلاع الزور، فإنما يأتي العضل التي فيما بين الأضلاع وعضل البطن ويجري مع شعب هذه الأعصاب عروق ضارِبة وساكنة وتدخل في مخارجها إلى النخاع.

الفصل الخامس
تشريح عصب القطن

عصب القطن، تشترك في أنها جزء منها يأتي عضل الصلب، وجزء عضل البطن والعضل المستبطنة للصلب، لكن الثلاثة العلا تخالط العصب النازلة من الدماغ دون باقيها، والزوجان السافلان يرسلان شعباً كباراً إلى ناحية الساقين ويخالطهما شعبة من الزوج الثالث وشعبة من أول أعصاب العجز ، إلا أن هاتين الشعبتين لا تجاوزان مفصل الورك، بل يتفرقان في عضله، وتلك تجاوزها إلى الساقين وتفارق عصب الفخذين والرجلين عصب اليدين في أنها لا تجتمع كلها فتميل غائرة إلى الباطن، إذ ليست هيئة اتصال العضد بالكتف كهيئة اتصال الفخذ بالورك ولا اتصاله بمنبت أعصابه كاتصال ذلك بمنبت أعصابه، فهذه العصب تتوجه إلى ناحية الساق توجهاً مختامًا ، منه ما يستبطن، ومنه ما يستظهر، ومنه ما يغوص مستتراً تحت العضل.

ولما لم يكن للعضل التي تنبت من ناحية عظم العانة. طريق إلى الرجلين من خلف البدن ومن باطن الفخذين لكثرة ما هناك من العضل والعروق، أجري جزء من العصب الخاص بالعضل التي في الرجلين، فأنفذ في المجرى المنحدر إلى الخصيتين حتى يتوجّه إلى عضل العانة، ثم ينحدر إلى عضل الركبة.

الفصل السادس
تشريح العصب العجزي والعصعصي
الزوج الأول من العجزي: يخالط القطَنية على ما قيل وباقي الأزواج والفرد النابت من طرف العصعص يتفرّق في عضل المقعدة والقضيب نفسه ، وعضلة المثانة والرحم وفي غشاء البطن وفي الأجزاء الانسية الداخلة من عظم العانة والعضل المنبعثة من عظم العجز.