الكتاب الأول: الأمور الكلية في الطب - الفن الأول: حد الطب وموضوعاته من الأمور الطبيعية - التعليم الخامس: ماهية العضو وأقسامه - رابعا: الشرايين

الشرايين

الجملة الرابعة الشرايين وهي خمسة فصول

الفصل الأول
صفة الشرايين

العروق الضوارب، وهي الشرايين خلقت إلا واحدة منها، ذات صفاقين، وأصلبهما المستبطن إذ هو الملاقي للضربان. وحركة جوهر الروح القوية المقصود صيانة جوهره وإحرازه وتقوية وعائه ومنبت الشرايين هو من التجويف الأيسر من تجويفي القلب، لأن الأيمن منه أقرب من الكبد، فوجب أن يجعل مشغولاً بجذب الغذاء واستعماله.

الفصل الثاني
تشريح الشريان الوريدي

وأوّل ما ينبت من التجويف الأيسر شريانان: أحدهما يأتي الرئة وينقسم فيها لاستنشاق النسيم وإيصال الدم الذي يغذو الرئة إلى الرئة من القلب، فإن ممر غذاء الرئة هو القلب، ومن القلب يصل إلى الرئة، ومنبت هذا القسم هو من أرق أجزاء القلب، وحيث تنفذ فيه الأوردة إليه، وهو ذو طبقة واحدة بخلاف سائر الشرايين، ولهذا يسمى الشريان الوريدي، وإنما خلق من طبقة واحدة ليكون ألين وأسلس وأطوع للانبساط والانقباض وليكون أطوع لترشح ما يترشح منه إلى الرئة من الدم اللطيف البخاري الملائم لجوهر الرئة الذي قد قارب كمال النضج في القلب. وليس يحتاج إلى فضل نضج كحاجة الدم الجاري في الوريد الأجوف الذي نورده، وخصوصاً إذ مكانه من القلب قريب فتتأدى إليه قوته الحارة المنضجة بسهولة، وأيضاً فإن العضو الذي ينبض فيه عضو سخيف لا يخشى مصادمته لذلك السخيف عند النبض أن تؤثر فيه صلابته، فاستغنى لذلك عن تثخين لجرمه ما لا يستغنى عنه في كل ما يجاور من الشرايين سائر الأعضاء الصلبة.

وأما الوريد الشرياني الذي نذكره فإنه وإن كان مجاوراً للرئة فإنما يجاور منه مؤخره مما يلي الصلب وهذا الشريان الوريدي إنما يتفرق في مقدم الرئة ويغوص فيها وقد صار أجزاء وشعباً، بل إذا قيس بين حاجتي هذا الشريان إلى الوثاقة وإلى السلاسة المسهلة عليه الإنبساط والإنقباض، ورشح ما يرشح منه وجدت الحاجة إلى التسليس أمس منها إلى التوثيق والتثخين. وأما الشريان الآخر وهو الأكبر ويسميه" ارسطوطالس"، أورطي فأول ما ينبت من القلب يرسل شعبتين أكبرهما تستدير حول القلب وتتفرق في أجزائه، والأصغر يستدير ويتفرق في التجويف الأيمن، وما يبقى بعد الشعبتين، فإنه إذا انفصل انقسم قسمين: قسم أعظم مرشح للإنحدار، وقسم أصغر مرشح للإصعاد. وإنما خلق المرشح للإنحدار زائداً في مقداره على الآخر لأنه يؤم أعضاء هي أكثر عدداً وأعظم مقادير وهي الأعضاء الموضوعة دون القلب. وعلى مخرج أورطي أغشية ثلاثة صلبة هي من داخل إلى خارج. فلو كانت واحدة أو اثنتين لما كانت تبلغ المنفعة المقصودة فيها إلا بتعظيم مقداره أو مقدارها، فكانت الحركة تثقل بهما ولو كانت أربعة لصغرت جداً وبطلت منفعيتها وإن عظمت في مقاديرها ضيقت المسلك. وأما الشريان الوريدي فله غشاءان موليان إلى داخل وإنما اقتصر على اثنين إذ ليس هناك من الحاجة إلى إحكام السكن ما ههنا بل الحاجة هناك إلى السلاسة أكثر ليسهل اندفاع البخار الدخاني والدم الصائر إلى الرئة .

الفصل الثالث
تشريح الشريان الصاعد

أما الجزء الصاعد من جزأي أورطي، فإنه ينقسم إلى قسمين أكبرهما يأخذ مصعداً نحو اللثة، ثم يتورب إلى الجانب الأيمن حتى إذا بلغ اللحم الرخو التوثي الذي هناك انقسم ثلاثة أقسام: اثنان منها هما الشريانان المسميان بالسباتيين ويصعدان يمنة ويسرة مع الوداجين الغائرين اللذين نذكرهما بعد ويرافقانهما في الانقسام على ما نذكره بعد. وأمّا القسم الثالث فيتفرق في القص، وفي الأضلاع الأول الخلص والفقارات الستّ العلا من الرقبة وفي نواحي الترقوة حتى يبلغ رأس الكتف ثم يجاوزه إلى أعضاء اليدين. وأما القسم الأصغر من قسمي أورطي الصاعد فانه يأخذ إلى ناحية الإبط وينقسم انقسام الثالث من القسم الأكبر.

الفصل الرابع
تشريح الشريانين السباتيين

وكل واحد من الشريانين السباتيين ينقسم عند انتهائه إلى الرقبة إلى قسمين: قسم مقدم وواحد مؤخر، والمقدم ينقسم قسمين: قسم يستبطن فيأخذ إلى اللسان والعضل الباطنة من عضل الفك الأسفل، وقسم يستظهر ويرتقي إلى ما يلي قدام الأذنين إلى عضل الصدغين ويجاوزها بعد أن يخلف فيها شعباً كثيرة إلى قلَة الرأس ، وتتلاقى أطراف اليمنى مع أطراف اليسرى منها. وأما الجزء الآخر فيتجزأ جزأين، والأصغر منهما يرتقي كثره إلى خلف ويتفرَق في العضل المحيطة بمفصل الرأس، وبعضه يتوجه إلى قاعدة مؤخر الدماغ داخلاً في ثقب عظيم عند الدرز اللامي.

وأما الأكبر فيدخل قدام هذا الثقب في الثقب الذي في العظم الحجري إلى الشبكة، بل وتنتسج عنه الشبكة عروقاً في عروق وطبقات على طبقات من غضون على غضون من غير أن يمكن أخذ كل واحد منها بانفراده إلا ملتصقاً باَخر مربوطاً به كالشبكة ، ويتفرق قداماً وخلفاً ويمنةً ويسرةً وينتشر في الشبكة، ثم يجتمع منها زوج كما كان أولاً وينثقب له الغشاء ويرتقي إلى الدماغ ويتفرّق منه فيه الغشاء الرقيق، ثم في جرم الدماغ إلى بطونه وصفاق بطونه ويلاقي فوهات شعبها التي قد صعدت، ثم فوهات شعب العروق الوريدية النازلة وإنما أصعدت هذه وأنزلت تلك لأن تلك ساقية صابة للدم الذي أحسن أوضاع أوعيته الساقية أن تكون منتكسة الأطراف. وأما هذه فإنها تنفذ الروح والروح لطيف متحرّك صاعد لا يحتاج إلى تنكيس وعائه حتى ينصب، بل إن فعل ذلك أدى إلى إفراط إستفراغ الدم الذي يصحبه وإلى عسر حركة الروح فيه لأن حركته إلى فوق أسهل. وبما في الروح من الحركة واللطافة كفاية في أن ينبث منه في الدماغ ما يحتاج إليه ويسخنه ولهذا فرشت الشبكة تحت الدماغ فيتردّد الدم الشرياني والروح فيها ويتشبه بمزاج الدماغ بعد النضج، ثم يتخلّص إلى الدماغ على تدريج والشبكة موضوعة بين العظم وبين الغشاء الصلب.

الفصل الخامس
تشريح الشريان النازل

وأما القسم النازل، فإنه يمضي أولاً على الاستقامة إلى أن يتدلَى على الفقرة الخامسة إذ وضعها بحذاء وضع رأس على القلب وهناك التوثة كالمسند والدعامة له ليحول بينه وبين عظام الصلب والمري، إذا بلغ ذلك الموضع تنحّى عنه يمنة ولم يجاوزه ثم استقل متعلقاً بأغشية عند موافاته الحجاب لئلا يضايقه.
وهذا الشريان النازل إذا بلغ الفقرة الخامسة انحرف وانحدر إلى أسفل ممتداً على الصلب إلى أن يبلغ عظم العجز، ولما يحاذي الصدر ويمر به يخلف شعباً منها شعبة صغيرة دقيقة تتفرق في وعاء الرئة من الصدر، وتأتي أطرافه قصبة الرئة ولا يزال يخلف عند كل فقرة يمر بها شعبة حتى يصير إلى ما بين الأضلاع والنخاع، فإذا تجاوز الصدر تفرع منه شريانان يأتيان الحجاب ويتفرقان فيه يمنة ويسرة. وبعد ذلك يخلف شرياناً تتفرق شعبه في المعدة والكبد والطحال ويتخلَّص من الكبد شعبة إلى المثانة وينبت بعد ذلك شريان يأتي الجداول التي حول الأمعاء الدقاق وقولون ثم من بعد ذلك ينفصل منه ثلاثة شرايين: الأصغر منها يخص الكلية اليسرى ويتفرق في لفاتها وما يحيط بها من الأجسام ويفيدها الحياة، والآخران يصيران إلى الكليتين لتجتذب الكلية منهما مائية الدم فإنهما كثيراً ما يجتذبان من المعدة والأمعاء دماً غير نقي ثم ينفصل شريانان يأتيان الأنثيين، فالآتي إلى اليسرى منهما يستصحب دائماً قطعة من الآتي إلى الكلية اليسرى بل ربما كان منشأ ما يأتي الخصية اليسرى هو من الكلية اليسرى فقط، والذي يأتي اليمنى يكون منشؤه دائماً من الشريان الأعظم وفي الندرة ربما استصحب شيئاً مما يأتي الكلية اليمنى، ثم ينفصل من هذا الشريان الكبير شرايين تتفرق في جداول العروق التي حول المعي المستقيم وشعب تتفرق في النخاع وتدخل في ثقب الفقار وعروق تصير إلى الخاصرتين، وأخرى تأتي الأنثيين. ومن جملة هذا زوج صغير ينتهي إلى القُبُلِ غير الذي نذكره بعد ذلك في الرجال والنساء ويخالط الأوردة، ثم إن هذا الشريان الكبير إذا بلغ آخر الفقار انقسم مع الوريد الذي يصحبه كما نذكره قسمين على هيئة اللام في كتابة اليونايين هكذا قسم يتيامن وقسم يتياسر وكل واحد منهما يمتطي عظم العجز آخذاً إلى الفخذين، وقبل موافاتهما الفخذ يخلف كل واحد منهما عرقاً يأخذ إلى المثانة والى السرّة ويلتقيان عند السرة ويظهران في الأجنة ظهوراً بيناً.

وأما في المستكملين فيكون قد جفّت أطرافهما وبقي أصلاهما فيتفرغّ منهما فروع تتفرّق في العضل الموضوعة على عظم العجز. والتي تأتي منها المثانة تنقسم فيه وتأتي أطرافه القضيب، وباقيه يأتي الرحم من النساء، وهو زوج صغير. وأما النازلان إلى الرجلين فإنهما يتشعبان في الفخذين شعبتين عظيمتين وحشياَ وإنسياً. والوحشي فيه أيضا ميل إلى الأنسيّ ويخلف شعباً في العضل الموضوعة هناك ثم ينحدر ويميل منها إلى قدَام شعبة كبيرة بين الإبهام والسبابة، وتستبطن باقيه وهي في أكبر أجزاء الرجل، تنفذ ممتدّة تحت الشعب الوريدية التي نذكرها بعد. فمن هذه الضوارب ما يوافق الأوردة كالإتيان من الكبد إلى السرة في أبدان الأجنة وشعب الضارب الوريدي والضارب النافذ إلى الفقرة الخامسة والصاعد إلى اللبة والمائل إلى الإبط والسباتيين حيث يتفرقان في الشبكة والمشيمة والتي تأتي الحجاب والنافذ إلى الكتف مع شعبة والتي تأتي المعدة والكبد والطحال والأمعاء والذي ينحدر من مراق البطن والعروق التي في عظم العجز وحده. وإذا رافق الشريان العضل الموضوعة على الوريد على الصلب امتطى الشريان الوريد ليكون أخسهما حاملاً للأشرف.

وأما في الأعضاء الظاهرة فإن الشريان يغور تحت الوريد ليكون أستر وأكنّ له ويكون الوريد له كالجنة وإنما استصحب الشرايين الأوردة لشيئين: أحدهما لترتبط الأوردة بالأغشية المجللة للشرايين، وتستقي مما بينهما من الأعضاء، والآخر ليستقي كل واحد منهما من الآخر فاعلم ذلك