الكتاب الأول: الأمور الكلية في الطب - الفن الثالث: الصحة والمرض وضرورة الموت - التعليم الرابع: تدبير بدن من مزاجه فاضل

التعليم الرابع

تدبير بدن من مزاجه فاضل

وهو خمسة فصول الفصل الأول استصلاح المزاج الأزيد حرارة نقول: إن سوء المزاج الحار، إما أن يكون مع اعتدال من المنفعلين أو غلبة يبوسة أو رطوبة، وإذا اعتدلت المنفعلتان عرفنا أن زيادة الحرارة إلى حد وليست بمفرطة، وإلا لجففت. وأما الحار مع اليبوسة، فيجوز أن يبقى هذا المزاج بحاله مدة طويلة. وأما الحار مع الرطوبة، فإن اجتماعهما لا يطول، فتارة تغلب الرطوبة الحرارة فتطفئها، وتارة تغلب الحرارة الرطوبة فتجففها.

فإن غلبت الرطوبة، فإن صاحبها يصلح حاله عند المنتهى في الشباب ويصير معتدلاً فيهما. فإذا انحط أخذت الرطوبة الغريبة تزداد والحرارة تنقص.

فنقول: إن جملة تدبير حارّي المزاج منحصرة في غرضين: أحدهما: أن نردهم إلى الاعتدال، والثاني: أن نستحفظ صحتهم على ما هي عليه.

أما الأول، فإنما يتيسر للوادعين المكفيين الموطنين أنفسهم على صبر طويل مدة رجوعهم بالتدريج إلى الاعتدال، لأن من يردّهم من غير تدريج يمرض أبدانهم.

وأما الثاني، فإنما يمكن تدبيرهم بأغذية تشاكل مزاجهم حتى تحفظ الصحة الموجودة لهم، فمن كان من حاري المزاج معتدلاً في المنفعلتين كانوا أدنى إلى الصحة في ابتداء أمرهم، وكان مزاجهم أسرع لنبات أسنانهم وشعورهم، وكانوا ذوي بيان ولسن وسرعة في المشي. ثم إذا أفرط عليهم الحر وزاد اليبس، حدث لهم مزاج لذاع. وكثير منهم يتولد فيهم المرار كثيراً، وتدبيرهم في السن الأول هو تدبير المعتدلين، فإذا انتقلوا نقلوا إلى تدبير من يرام إدرار بوله واستفراغ مراره، ومن الجهة التي تميل إليها فضولهم جهتي الإسهال أو القيء.
وإذا لم تف الطبيعة بإمالة الخلط إلى الاستفراغ أعينت بأشياء خفية. أما القيء فبمثل شرب الماء الحار الكثير وحده أو مع النبذ، وأما الإسهال فمثل البنفسج المربى والتمر الهندي والشيرخشك والترنجبين. ويجب أن تخفف رياضتهم وأن يغذوا بغذاء حسن الكيموس، وربما وجب أن يثلثوا الاستحمام في اليوم، ويجب أن يجنبوا كل سبب مسخن. وإن لم يورثهم الاستحمام عقيب الطعام تمدداً أو تعقداً في ناحية الكبد والبطن، استعملوه على أمن. وأما إن عرض شيء من ذلك، فعليهم باستعمال المفتحات مثل نقيع الأفسنتين وداء الصبر والأنيسون واللوز المر والسكنجبين، ويمنعوا عن الإستحمام بعد الطعام. ويجب أن يسقوا هذه المفتحات بعد انهضام الطعام الأوّل وقبل أخذهم الطعام الثاني، بل في وقت بينهم فيه وبين أخذ الطعام الثاني فسحة مدّة وذلك ما بين انتباههم بالغدوات واستحمامهم وينبغي أن يديموا التمريخ بالدهن ويسقوا الشراب الأبيض الرقيق وينفعهم الماء البارد.

وأصحاب المزاج اليابس الحار في أول الأمر أولى بذلك كله.

وأما أصحاب المزاج الحار الرطب فهم بعرض العفونة وانصباب المواد إلى الأعضاء، فلتكن رياضتهم كثيرة التحليل لينة لئلا يسخن مع توق من حركة تظهر في الأخلاط بثوراً. وأكثر ما يجب أن يجتنب الرياضة منهم من لم يعتدها والأصوب أن يرتاضوا بعد الاستفراغ، وأن يستحموا قبل الطعام،وأن يعنوا بنفض الفضول كلها وإذا دخلوا في الربيع احتاطوا بالفصد والاستفراغ.

الفصل الثاني استصلاح المزاج الأزيد برودة أصناف هؤلاه ثلاثة فمن كان منهم معتدل المنفعلتين، فليقصد قصد إنهاض حرارة بأغذية حارة متوسطة في الرطوبة واليبس وبالأدهان المسخنة والمعاجين الكبار والاستفراغات الخاصة بالرطوبات والاستحمامات المعرفة والرياضات الصالحة، فإنهم وإن كانوا معتدلي الرطوبة في وقت، فهم بعرض تولد الرطوبات فيهم لمكان البرد، وأما الذين بهم مع ذلك يبس، فإن تدبيرهم هو بعينه تدبير المشايخ.

الفصل الثالث تدبير الأبدان السريعة القبول هؤلاء إنما يستعدون لذلك، إما لامتلائهم، فلتعدل منهم كمية الأخلاط، وإما لأخلاط نيئة فيهم فلتعدل كيفيتها. وليختر لهم من الأغذية ما يغذو غذاء وسطاً بين القليل والكثير. وتعديل كمية الأخلاط هو بتعديل مقدار الغذاء، وزيادة الرياضة والدلك فبل الاستحمام إن كانا معتادين، وبالأخف منهما إن لم يكونا معتادين، وأن يوزع عليه التغدية ولا يحمل عليه بتمام الشبع مرة واحدة. إن كان البدن منهم سهل التعرق معتاداً له عرّق في الأحيان، وإن لم يكن تأخير غذائه يصب مرارأ إلى معدته، أخر إلى ما بعد الحمام، وإلا قُدمَ عليه. والوقت المعتدل إن لم يكن مانع هو بعد الرابعة من ساعات النهار المستوي، وإن أوجب انصباب المرار إلى معدته ما قلناه من تقديم الطعام، ثم أحس بعلامات سدد في الكبد عولج بالمفتّحات المذكورة الملائمة لمزاجه، وإن وجد لذلك ضرراً في رأسه تداركه بالمشي، فإن فسد طعامه في المعدة فإنحدر بنفسه فذلك غنيمة، وإلا أحدره بالكموني والتين المعجون بالقرطم المذكور صفته.

الفصل الرابع تسمين القضيف أقوى علل الهزال كما سنصفه يبس المزاج والماساريقا ويبس الهواء، فإذا يبس الماساريقا لم يقبل الغذاء، فليداو اليبس والهزال بدلك قبل الحمام دلكاً بين الخشونة واللين إلى أن يحمر الجلد، ثم يصلب الدلك ثم يَطلى بطلاء الزفت، ثم يراض بالاعتدال، ثم يستحم بلا إبطاء وينشف بعد ذلك بمناديل يابسة، ثم يمرخ بدهن يسير، ثم يتناول الغذاء الموافق، فإن احتمل سنه وفصله وعادته الماء البارد صبه على نفسه. ومنتهى الدّلك المقدم على استعمال طلاء الزفت، هو أن لا يبتدىء الانتفاخ في الذبول، وهذا قريب مما قلناه في تعظيم العضو الصغير وتمام القول فيه يوجد في كتاب الزينة من الكتاب الرابع.

الفصل الخامس تقضيف السمين تدبيره إسراع إحدار الطعام من معدته وأمعائه لئلا تستوفي الجداول مصها، واستعمال الطعام الكثير الكمية القليل التغذية ومواترة الاستحمام قبل الطعام والرياضة السريعة والأدهان المحللة. ومن المعاجين الإطريفل الصغير، ودواء الدلك والترياق، وشرب الخل مع المري على الريق وسنذكر تمامه في كتاب الزينة.