الكتاب الثاني: الأدوية المفردة - الجملة الأولى: القوانين الطبيعية (القوانين الطبيعية التي يجب أن تعرف من أمر الأدوية المستعملة في علم الطب) - المقالة الثانية: قوى أمزجة الأدوية بالتجربة

المقالة الثانية

قوى أمزجة الأدوية بالتجربة

الأدوية تتعرّف قواها من طريقين: أحدهما: طريق القياس، والآخر: طريق التجربة. ولنقدم الكلام في التجربة فنقول: إن التجربة إنما تهدي إلى معرفة قوة الدواء بالثقة بعد مراعاة شرائط: إحداها: أن يكون الدواء خالياً عن كيفية مكتسبةِ، إما حرارة عارضة، أو برودة عارضة، أو كيفية عرضت لها باستحالة في جوهرها، أو مقارنة لغيرها، فإن الماء وان كان بارداً بالطبع فإذا سُخن سَخَّن ما دام سَخِيناً، والفربيون وأن كان حاراً بالطبع فإنه إذا بَرَدَ برَدَ ما دام بارداً، واللوز وأن كان إلى الاعتدال لطيفاً فإذا زنخ سخن بقوة، ولحم السمك وإن كان بارداً فإذا ملحَ سخن بقوة .

والثاني: أن يكون المجرب عليه علَة مفردة، فإنها إن كانت علة مركبة وفيها أمران يقتضيان علاجين متضادين، فجرب عليهما الدواء، فنفع لم يدر السبب في ذلك بالحقيقة مثاله، إذا كان بالإنسان حمى بلغمية فسقيناه الغاريقون، فزالت حماه، لم يجب أن يحكم أن الغاريقون بارد لأنه نفع من علة حارة وهي الحمى، بل عسى إنما نفع لتحليله المادة البلغمية أو استفراغه إياه، فلما نفدت المادة، زالت الحمى، وهذا بالحقيقة نفع بالذات، مخلوط بالعرض .

أما بالذات، فبالقياس إلى المادق، وأما بالعرض، فبالقياس إلى الحمى.

والثالث: أن يكون الدواء قد جرب على المضادة حتى إن كان ينفع منهما جميعاً، لم يحكم أنه مضاد المزاج لمزاج أحدهما، وربما كان نفعه من أحدهما بالذات، ومن الآخر بالعرض، كالسقمونيا لو جزبناه على مرض بارد لم يبعد أن ينفع، ويسخن، وإذا جربناه على مرض حار، كحمى الغب لم يبعد أن ينفع باستفراغ الصفراء، فإذا كان كذلك لم تفدنا التجربة ثقة بحرارته أو برودته، إلا بعد أن يعلم أنه فعل أحد الأمرين بالذات، وفعل الآخر بالعرض.

والرابع: أن تكون القوة في الدواء مقابلاً بها ما يساويها من قوة العلّة، فإن بعض الأدوية تقصر حرارتها عن برودة علة ما فلا يؤثر فيها البتة، وربما كانت عند استعمالها في برودة أخفّ منها فعالة للتسخين، فيجب أن يجرب أولاً على الأضعف ويتدرج يسيرا يسيراً حتى تعلم قوة الدواء ولا يشكل.

والخامس: أن يراعى الزمان الذي يظهر فيه أثره وفعله، فإن كان مع أول استعماله، أقنع أنه يفعل ذلك بالذات، وإن كان أول ما يظهر منه فعل مضاد لما يظهر أخيراً أو يكون في أول الأمر لا يظهر منه فعل، ثم في اًخر الأمر يظهر منه فعل، فهو موضع اشتباه وإشكال عسى اْن يكون قد فعل ما فعل بالعرض، كأنه فعل أولاً فعلاً خفياً تبعه بالعرض هذا الفعل الأخير الظاهر. وهذا الإشكال والاشتباه في قوة الدواء. والحدس أن فِعْلَهُ إنما كان بالعرض، قد يقوَى إذا كان الفعل إنما ظهر منه بعد مفارقته ملاقاة العضو، فإنه لو كان يفعل بذاته لفعل، وهو ملاق للعضو، ولاستحال أن يقصر وهو ملاق، ويفعل وهو مفارق، وهذا هو حكم أكثري مقنع. وربما اتفق أن يكون بعض الأجسام يفعل فعله الذي بالذات بعد فعله الذي بالعرض، وذلك إذا كان اكتسب قوة غريبة تغلب الطبيعية، مثل الماء الحار، فإنه في الحال يسخن. وأما من اليوم الثاني، أو الوقت الثاني الذي يزول فيه تأثيره العرضي، فإنه يحدث في البدن برداً لا محالة لاستحالة الأجزاء المستعقبة منه إلىالحالة الطبيعية من البرد الذي فيه.

والسادس: أن يراعى استمرار فعله على الدوام أو على الأكثر، فإن لم يكن كذلك، فصدور الفعل عنه بالعرض. لأن الأمور الطبيعية تصدر عن مباديها، إما دائمة، وإما على الأكثر.

والسابع: أن تكون التجربة على بدن الإنسان، فإنه إن جرب على غير بدن الإنسان، جاز أن يتخلّف من وجهين: أحدهما: أنه قد يجوز أن يكون الدواء بالقياس إلى بدن الإنسان حاراً، وبالقياس إلى بدن الأسد والفرس بارداً، إذا كان الدواء أسخن من الإنسان، وأبرد من الأسد والفرس، ويشبه فيما أظن أن يكون الراوند شديد البرد بالقياس إلى الفرس، وهو بالقياس إلى الإنسان حار. والثاني أنه قد يجوز أن يكون له بالقياس إلى أحد البدنين خاصية ليست بالقياس إلى البدن الثاني، مثل البيش، فإن له بالقياس إلى بدن الإنسان خاصية السمية، وليست له بالقياس إلى بدن الزرازير. فهذه القوانين التي يجب أن تراعى في استخراج قوى الأدوية من طريق التجربة فاعلم ذلك.